يعود تاريخ الحضارة الهندية ووجود الإنسان على أرض شبه الجزيرة الهندية إلى حوالي 73 ألف سنة مضت، وكانت أقدم حفرية بشرية في المناطق الجنوبية من قارة أسيا يعود تاريخها لحوالي 30 ألف سنة، ولقد بدأ الإنسان القديم في الاستقرار وممارسة الزراعة في تلك المناطق سنة 7000 قبل الميلاد تقريبًا.
وبحلول عام 4500 قبل الميلاد تطورت حضارة وادي السند بالتوازي مع الحضارة المصرية القديمة، وحضارة ما بين النهرين، وبلغت أوجها عام 2500 قبل الميلاد حيث يمكن ملاحظة ذلك التطور من آثار إمدادات الماء والصرف المتقن، والأبنية الطينية المنتمية إلى تلك الفترة الزمنية.
نبذة تاريخية
يأتي إسم الهند من نهر السند الذي كان مهد الحضارة الهندية العريقة، وتعرف أيضًا باسم “بهاراتا” إشارة إلى الإمبراطور الأسطوري “بهاراتا” الذي تروي ملحمة “ماهابهاراتا” أنه قد نجح في غزو الأرض وحكمها بسلام ووئام.
وأرض الهند هي مهد لأربعة ديانات عالمية: السيخية، والبوذية، والهندوسية، والجانية. بالإضافة إلى فلسفة “مدرسة شارفاكا” التي تدعم العلم والبحث.
وبحسب المؤرخين فإنّ سكان وادي السند تعرضوا إلى حالة من الجفاف الشديد في الألفية الثانية قبل الميلاد ما اضطرهم للنزوح إلى القرى، وترك المناطق الحضرية، وانتقلت القبائل الهندية الآرية إلى البنجاب في عدة موجات من الهجرة.
الفترة الفيدية 1500 – 500 قبل الميلاد
تقسيم الشعب وفق نظام فارنا
الفيدا هي مجموعة من القبائل التي تم تنظيمها من خلال “نظام فارنا varna system” الذي يقسم الشعب إلى طبقات في تسلسل هرمي يبدأ بالكهنة والعلماء “البراهمانا” ثم المحاربين “القسطرية” ثم الفلاحين والتجّار “الفايشيا” والعمال “شيدرة”.
ولقد نزح هؤلاء إلى المناطق الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية. واستعبد الهندو أرييون الفيديون الشعوب الأصلية، واعتبروا أن مهنهم غير نقيّة وأطلقوا عليهم إسم “الداليت” فكانوا يأكلون اللحوم والنفايات، ويعاملوا كمنبوذين. وكان هذا النظام في بدايته انعاكسًا للقوة والهيمنة وقدرة الفئات العليا على استعمار مناطق بالقوة، ثم تحوّل مع الوقت لحق إلهي مكتسب بالولادة، حيث لم يسمح لأحد الطبقات بالزواج من طبقة آخرى.
وانتشر الرعاة والبدو من البنجاب إلى سهل الغانج وأزالوا المراعي الطبيعية وقاموا بزراعة هذه المساحات الشاسعة من أجل الحصول على الغذاء.
وبحلول عام 600 قبل الميلاد تشكّلت النصوص الفيدية. ولقد تطورت في هذه الفترة من الزمن ثقافة جديدة بعد أن اندمجت القبائل الصغيرة ضمن ولايات أكبر، وتصاعدت الديانات التي تدعو للتقشف في “ماجادا الكبرى” ومنها البوذية والجانية، ورفضت ممارسات الكهنة المنتمين إلى البراهمانية، وظهرت مفاهيم دينية جديدة، وفي النهاية تطورت البراهمانية الفيدية واندمجت مع الثقافات الدينية الموجودة في شبهة القارة الهندية ما أدى في النهاية لتشكّل الهندوسية.
إنجازات الحضارة الهندية القديمة
في القرن الرابع والثالث قبل الميلاد قام الإمبراطور “موريا” باجتياح شبه القارة الهندية، ومن هنا انبثق الأدب البراكريتي والبالي شمال الهند، وأدب التاميل سانجام جنوب الهند، وتم تصنيع الفولاذ جنوب الهند وتصديره إلى العالم الخارجي.
ومن ابتكارات الحضارة الهندية الآخرى، المرحاض المتدفق، وأنظمة الصرف الصحي، وأنظمة صرف الشوارع، والمسابح العامة، كما أنهم تقدموا في مجالات الرياضيات والطب البيطري والجراحات التجميلية، وابتكروا العاب الطاولة، وممارسات اليوجا والتأمّل.
وتشير الآثار التي تركت في مدينة “موهينجو داري” إلى أن الشوارع كانت مبنية بطريقة متقنة، وشوارعها متساوية بزوايا قائمة، وبها نظام صرف متطور، وكان سكانها ماهرين في استخدام المعادن وسبكها مثل النحاس والقصدير والفضة والرصاص، ومن الأعمال الشهيرة التي استخدمت فيها المعادن تمثال “الفتاة الراقصة” البرونزي والأختام الفردية. وزرع الهندي القديم السمسم والقطن والبازلاء، ومارس التجارة على نطاق واسع، وخاصة مع حضارة ما بين النهرين التي ذكرت مدن الهند في بعض نصوصها القديمة.
العقائد والديانات فى الحضارة الهندية
الهندوسية
لا يمكن فصل تاريخ الهند عن تطور العقائئد الدينية فيها، وتعتبر الهندوسية من أهم العقائد فى الحضارة الهندية منذ بدايتها وما تزال . وعلى سبيل المثال تأسس في الفترة الفيدية معتقد “ساناتان دارما” أو النظام الأبدي، والذي عرف فيما بعد باسم الهندوسية، ويعتقد الهندوس أن للكون نظاما وهدفا يجب أن يعيش الإنسان وفقًا له، ويعتقد الكثير من الناس أن الديانة الهندوسية متعددة الألهة إلا أن ذلك غير صحيح فهم يرون أن هناك إلهًا واحدًا، هو “براهما” ولكن لأنه عظيم فلا يمكن استيعابه إلا من خلال جوانبه العديدة التي يعتبرها الناس ألهة منفردة.
الاله السماوى براهما
براهما هو الإله الذي يحافظ على الكون وهو الذي يوفر للناس الأمان والاستقرار، ولقد انعكس هذا الدين على الحياة اليومية للناس، فأصبحوا أكثر قدرة على الإبداع وخرجت إلى النور أعمال ونصوص مقدسة خالدة مثل كتابات “برواناس” و”ماهابهاراتا” و”بهاجافادا جيتا” و “رامايانا”.
الجانية والبوذية
في القرن السادس قبل الميلاد ظهر العديد من المصلحين الدينيين مثل “فارداهامانا ماهافيرا” و “سيداهارثا جوتاما” وانفصلوا عن التيار الرئيسي للهندوسية ليخلقوا دياناتهم الخاصة بهم من جانية وبوذية ، وصاحبت هذه التغيرات في الدين تغيرات اجتماعية وثقافية أدت إلى تشكّل المدن وبزوغ الممالك القوية مثل مملكة “ماجادا” التي حكمها “بيمبيسارا” وانتشرت العديد من المدارس الفلسفية التي تنتهج ما يسمى بالهندوسية الأرثوذكسية.
الاله “ماهافيرا ”
ولقد رفض “مهافيرا” الفيدا وجعل الفرد هو المسؤول الأول عن خلاصه، ومثله فعل “بوذا” في مرحلة لاحقة، أما مدرسة “شارفاكا” الفلسفية فرفضت بشكل قاطع جميع الظواهر الخارقة للطبيعة، وشددت على أن الحواس فقط هي ما يجب الاعتماد عليها للوصول إلى الحقيقة، وأن هدف الحياة هو تحقيق المتعة، وشجعت على تبني أسلوب التجربة والملاحظة.
ولقد شجّع توسّع المدن في هذه الحقبة “كورش العظيم” الملك الفارسي الذى قام بغزوغدد من الممالك عام 530 ق.م واستمرت الفتوحات في عهد إبنه “داريوس الأول” وبعد هذا الفتح، اندمجت معا المعتقدات الدينية الفارسية والهندية.
اليونانية البوذية
استمرت سيطرة الفرس على الهند وحتى غزو الإسكندر الأكبر لها في عام 330 قبل الميلاد، ولذلك ظهرت اليونانية البوذية ولقد أثرت هذه العقيدة على كافة مناحي الحياة من فنون وملابس وتماثيل ونقوش وطقوس دينية، والكثير من النقوش والتماثيل التي تم صنعها في تلك الفترة كانت تمثيلًا لبوذا وبعض الشخصيات الهيلينية وعرفت هذه الأعمال باسم “مدرسة جانداهارا للفنون”.
رحيل الاسكندر الأكبر
بعد رحيل الإسكندر الأكبر ارتفعت الإمبراطورية الماورية في الفترة من 322 – 185 قبل الميلاد في عهد “تشاندراجوبتا مايوريا” وكانت ممتدة فى جنوب آسيا فى العصر الحديدى . سيطرت ” ماوريا ” على الهند، واستمر الحال على ما هو عليه حتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد.
وتوسّع إبنه “تشاندراجوبتا بندوسارا” ليحتل جميع أجزاء الهند تقريبًا، ثم تولى إبنه “أشوكا” الحكم من بعده وازدهرت الإمبراطورية في عهده ولقد غزا مدينة “كالينجا الشرقية” فتسببت المعارك في مقتل أكثر من 100 ألف شخص، ما جعله يشعر بالصدمة ويعتنق البوذية ويدعو إلى مبادئها.
ولقد أسس العديد من الأديرة البوذية وأقام 84 ألف ستوبا (بناء يحتوي على الأثار البوذية ورماد الموتى) وذلك تكريمًا لبوذا، وفي عام 249 قبل الميلاد، وأثناء قيامه بالحج للمواقع البوذية المقدسة، قام ببناء “قرية لومبيني” لتكون مقرًّا رسميًا لعبادة بوذا، وأنشأ “مراسيم أشوكا” لتشجيع الفكر البوذي والقيم البوذية، ولقد كانت الطائفة البوذية قبل أشوكا طائفة ضعيفة تكافح من أجل اكتساب أتباع لها، فأصبحت معه قوية ونمت وانتشرت وأصبحت من الديانات الرئيسية.
العصر الوسيط
بعد وفاة أشوكا سقطت الإمبراطورية الموريتانية وتفرقت الممالك، وزادت التجارة ما بين الهند وروما، وخاصة بعد أن ضمت روما إليها مصر وبابل في عهد “أغسطس” وازدهرت الهند في ذلك العصر تحت حكم إمبراطورية “جوبتا”. ولقد أسس هذه الإمبراطورية “سري جوبتا” وحكم في الفترة ما بين عامي 240 – 280 ميلادية، ولأنها كان تاجرًا فقد تحدى بوصوله للحكم النظام الطبقي الذي كان سائدًا، وتقدمت الهند في عهده في كافة المجالات، ومن أهم المجالات التي شهدت نهضة كبيرة في عهده، الفلك، والرياضيات، والهندسة المعمارية، والفلسفة، والفنون، والدين، وغيرها من المجالات.
وفي عهده تم تجميع “Puranas of Vyasa” وهي نصوص أدبية تضم الكثير من الأساطير الرائعة وان كانت لا تعتبر من الكتابات المقدسة عند الهنود، كما بنى الهنود في تلك الفترة القباب والمنحوتات المتقنة، وكتب الشاعر “كاليداسا” رائعته “شاكونتالا” ووضع “أريابهاتا” مفهوم الرقم “صفر” ولقد دافع حكّام جوبتا عن البوذية باعتبارها ديانة تتحدى الطبقية الهندوسية، وانتشرت الأعمال الفنية البوذية انتشارًا كبيرًا في هذا العصر.
نصوص بيورانا فياسا
مبادئ البوذية الثمانية
- أحصل على الأراء الصحيحة.
- إمتلك التطلعات الصحيحة.
- استخدم العبارات الصحيحة.
- أظهر السلوك الصحيح.
- إسع وراء الرزق الصحيح.
- إبذل الجهد الصحيح.
- حافظ على موقف صحيح.
- مارس التأمل الصحيح.
تراجع إمبراطورية جوبتا
لقد تعاقب الحكام الضعاف على إمبراطورية جوبتا حتى انهارت في عام 550 ميلادية، واستبدل حكمهم بحكم “هارشافاردان” ولقد حكم لمدة 42 سنة تقريبًا، وكان أديبًا فألّف ثلاثة مسرحيات، وكان راعيًا للفن وبوذيًا متدينًا، ولقد نهى عن قتل الحيوانات. ولم يهزم “هارشافاردان” في أيٍ من معاركه التي خاضها، إلا أن مملكته انهارت بعد وفاته، وسقطت البلاد في حالة من الفوضى.
انتهاء الامبراورية الهندية
وفي عام 712 ميلادية غزا القائد المسلم “محمد بن القاسم” شمال الهند، وبذلك انتهت الإمبراطورية الهندية الأصيلة، ونشأت السلطنة الإسلامية في مناطق باكستان الحديثة، ثم تعرّضت البلاد لغزو المغول والبرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين، وحتى نالت استقلالها أخيرًا في عام 1947 ميلادية.
السيخية
جورو “ناتاك”
نشأت السيخية في القرن الخامس عشر وتأتي الكلمة من اللغة السنسكريتية بمعنى التلميذ، وتعد من أحدث الديانات في العالم، وكتابهم المقدس هو “جورو جرادث صاحب” وهي مجموعة من التراتيل وأساليب لممارسة التأمل في إسم الإله، وتسعى للعدالة ونكران الذات، وخدمة الصالح العام، وعيش نمط حياة نزيه وصادق، ويوجد في الوقت الحالي 25 مليون سيخي في جميع أنحاء العالم. ويعتبر جورو ناناك هو مؤسس هذه الديانه.
الجانية
وهي ديانة هندية قديمة اشتق إسمها من اللغة السنسكريتية القديمة وتعني “المنتصر” وهي تهدف لتجاوز الإنسان تيار الحياة والانبعاث مجددًا من خلال عيش حياة روحية وأخلاقية.
————————-
المراجع
https://www.worldhistory.org/india/
https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_India
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9