الجانية

0

 

ديانة قديمة 

الجانية هي واحدة من أقدم الديانات على وجه الأرض، وهي ديانة تؤكد على أن السبيل للتنوير يبدأ من اللاعنف، ومن حماية الكائنات من الضرر بما في ذلك النبات والحيوان.

والجانيون مثلهم مثل البوذيين والهندوس يؤمنون بالعودة للتجسد من خلال دورة الموت والولادة الجديدة، وأن الكارما التي يحملها الشخص إلى حياته التالية عادة ما تكون بسبب الإضرار بالكائنات الحية.

فإذا أردت أن تتجنب الكارما السيئة فعليك أن تمارس “أهيماسا” وهي نظام لا يسمح فيه بالعنف على الإطلاق.

والنظام الغذائي للجانيين غذاء نباتى صارم وأغلبهم لا يأكلون الدرنات الجذرية للنبات لأن ذلك يضر به ويمنع نموه.

وهم يأكلون النباتات التي تنمو فوق الأرض مع قطف الأجزاء الصالحة للأكل وترك البقية، ورهبان وراهبات الجانية يخافون أن يطأوا نملة أو يقتلوا بعوضة.

ولديهم مجموعة عهود إرشادية للمؤمنين بهذه الديانة هي “لا تلجأ للعنف، لا تسرق، لا تزني، قل الحقيقة، ولا ترتبط بالأشياء الدنيوية”.

نشأة الجانية

الجانية
الحكيم ماهافيرا

نشأت الجانية من شمال الهند ومنه انتشرت إلى الجنوب، ولا يعرف على وجه الدقّة مؤسس الديانة.

ولكن يعتقد أنه “فاردهمانا” ويعرف أيضًا باسم “ماهافيرا” وعاش في الفترة من (527 – 599 قبل الميلاد).

بيدك فقط خلاص نفسك 

والجانية دين لا يوجد فيه إله مطلق ولكن “ديفا” أو بشر أسمى ولكن ليس لهم سلطان على البشر .

وهم لا يساعدون البشر على التخلص من دائرة الموت والولادة الجديدة، فكل فرد هو من بيده خلاص نفسه من هذه الدائرة التي يطلقون عليها اسم (السامسارا) وذلك بالتزامه بالأخلاقيات الطيبة والسلوكيات الحسنة بشكل صارم.

التواصل الأمثل بين الجسد والروح 

ولقد استجاب “ماهافيرا” للاتجاه العام لدى الهنود في إيجاد ديانة تحقق تواصل أفضل بين الجسد والروح أكثر مما في الهندوسية.
وعلى الرغم من انتشار مجموعة من العقائد في تلك الحقبة الزمنية مثل البوذية، إلا أن الجانية تمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض واجتذبت الكثير من المتابعين.

وساعدت الحماية الملكية من قبل الإمبراطورية الموريانية (322 – 185 قبل الميلاد) على جعل هذه الديانة أكثر انتشارًا وأكثر قدرة على البقاء، .

ونجت الجانية من الاضطهاد الديني للحكام المسلمين في الفترة ما بين القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر الميلادي.
كما أنها قاومت المبشرين المسيحيين أيضًا ومازالت محتفظة بالكثير من الأتباع إلى يومنا هذا.

                                                         النذور الخمسة والتيراثانكراس

“التيراثانكراس” أو التحرر من دائرة الموت والولادة الجديدة تتطلب الالتزام بهذه النذور الخمسة:

  • اللاعنف.
  • قول الحقيقة.
  • الامتناع عن السرقة.
  • العفة.
  • عدم التعلق بأمور الدنيا

ولا يكفي في الجانية الامتناع عن إتيان الفعل وحده إذ عليك أن لا تفكر أصلًا في هذه الأمور.

والمعاناة في الجانية تأتي من الجهل، وعدم إدراك الواقع، بينما التحرر يتم من خلال اكتشاف المعرفة وعيش الحقائق.

حقائق حول الجانيين في الهند

الجانية ديانة يتركز معتنقوها في غرب الهند وخاصة في ولاية “ماهاراشترا” وهم أرقى تعليمًا وأكثر ثراءًا في مجتمعهم مقارنة بغيرهم من الهنود.

الجانيون جميعًا نباتيون بحسب الإرشادات المتبعة “أهيمسا” فلا يضرون بحياة أيٍ من الكائنات.
وبحسب الإحصائيات فإن 92% من الجانيين نباتيين، وثلثي هؤلاء يمتنعون حتى عن أكل النباتات الجذرية.

للجانيين قواسم مشتركة مع الهندوس فهناك أوجه تشابه بين العقيدتين في العبادات والتعاليم الدينية، وعلى سبيل المثال كلاهما يؤمنان بالكارما وبأن البشر سيجنون ثمار أعمالهم.

وبينما يعرف الجانيون الكثير عن الدياناة الهندوسية لا يعرف الهندوس سوى القليل جدًا عن الجانية. ويدعم الجانيون في غالبيتهم حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي تتفق رؤيته مع المشاعر القومية الهندوسية

ويعيش الجانيون في مجتمعات منفصلة في الهند مثلهم مثل الطوائف الدينية الأخرى، وهم يقبلون بجيرة الديانات الأخرى ولكنهم يرفضون تمامًأ الزواج المختلط مع معتنقي هذه الديانات.

المعتقدات والفلسفة الجانية

تقول الجانية بأن الكون يتطور من خلال التوازن والتفاعل بين عناصره المختلفة، وأن للكون ستة عناصر أبدية هي:

  • الأرواح الواعية (جيفا)
  • المواد الغير واعية (بودجالا)
  • الحركة (دارما)
  • الراحة (أدارا)
  • الفضاء (أكا)
  • الوقت (كالا)

حقيقة الخلاص (تاتفا)

بحسب الجانية يوجد تسعة حقائق أو مبادئ أساسية هي:

  • جيفا: وهي الكائنات الحية التي لها روح واعية.
  • أجيفا: وهي الأشياء الغير حيّة.
  • بونيا: وهي نتائج الأعمال الصالحة.
  • باب: الخطايا.
  • أشراف: الأعمال الصالحة.
  • سانفار: ما يعوق الكارما.
  • بانداها: العبودية للكارما.
  • نيرجارا: تدمير الكارما.
  • موكشا: الخلاص.

ويسعى الزاهد للوصول إلى حالة الخلاص (موكشا) بينما يسعى أغلب الناس لتحقيق كارما جيدة تساعدهم على عيش حياة أفضل في المرة التالية.

الروح في الجانية

يؤمن الجانيون بأن الروح هي كائن واعي (جيفا) وحي، وأن الجسد والروح شيئان مختلفان، فالجسد مجرد حاوية غير حيّة تحتوي الروح أو الكائن الواعي.

عند موت الجسد تولد “جيفا” في جسد جديد لتعيش حياة آخرى، ويستمر ذلك وحتى تتمكن الروح من الحصول على الخلاص، والروح مستقلة، وأبدية، ومسؤولة عن أفعالها، وستختبر عواقب هذه الأفعال، وبينما يمكن لبعض الأرواح أن تحصل على الخلاص بالسلوك الحسن، يوجد أرواح آخرى غير قادرة على تحقيق ذلك.

الكارما

الكارما في الجانية هي جسيمات أثيرية تلتصق بالروح وترتبط بها فى الولادة الجديدة، وتؤثر على معاناة أو سعادة الإنسان في الحياة الجديدة.

وبحسب الجانية فإن الروح تمر عبر الاف الولادة والموت بخمسة أنواع من الأجسام أو مراحل الخلق فهى تكون فى عالم الجمادات والمعادن ، وعالم النباتات ، وعالم البحار ، وعالم الأثير ، كما تتجسد أيضا فى النار.   

وتتغير الروح باستمرار لتتوافق مع هذه الأشكال، ويجب على الروح أن لا تؤذي أي كائن على الإطلاق خلال مرورها بتلك الحيوات اذ أن هذا الايذاء يؤثر على تطورها، والنفس التي لا تتطور لن تتحرر أبدًا ولن تصل إلى “الموكشا” ، والروح المتحررة تكون في قمة العلم  وأعلى المقامات وستبقى في القمة للأبد.

علم الكونيات

يتكون الكون في الجانية من عوالم متعددة أبدية، فالزمان والكون أوليان، وهما منفصلان عن الروح، وفي الكون عوالم عليا وعوالم وسطى وعوالم سفلى.  

هناك أيضا 6 فترات زمنية في كل دورة كونية تبدأ بولادة الكون وتنتهي بتدهوره، والعالم حاليًا يعيش في المرحلة الخامسة حيث الانحدار والحزن والأسى، ولكن عند المرحلة السادسة سوف يستيقظ الكون من خلال دورة جديدة.

مفهوم الاله

يرى الجانيون أن الكون أزلي وليس له خالق وسيبقى للأبد، وأنه ليس حاكم أو قاضي أو مدمر، وذلك على عكس الديانات الإبراهيمية والهندوسية والجانية ، وهى تشبه البوذية في هذا المفهوم.

والأرواح التي تعيش في سعادة يكون ذلك بسبب الكارما الإيجابية التي جمعتها في حياتها، وهؤلاء يمتلكون معارف أعلى شأنًا، وتعرف أرواحهم يأجساد تسمى (أريهانتس) أما الأرواح المتحررة بلا جسد فتعرف باسم ( سيدهاس).

الخلاص والتحرر

يتم تنقية الروح وتصل إلى التحرر من خلال التالي:

  • النظرة الصحيحة ( جيفا) : وتعني قبول حقيقة الروح والإيمان بها .
  • المعرفة الصحيحة ( تاتفا ) : وهي تلك المعارف اليقينية التى ليست محلا لأى شك.
  • السلوك الصحيح: ويعني أن يكون سلوك المريد متوافقا مع العهود الخمسة.
  • الزهد الصحيح: وهو الجوهرة التي تؤكد حقيقة الايمان والسعى للتحرر.

هذه القواعد الأربعة تعرف أيضًا باسم “طريق التحرير”.

أسس العقيدة الجانية 

– الأهيمسا أو اللاعنف

وهو العقيدة الأساسية للجانية وتنص على أن المرء عليه أن يتخلى عن كل نشاط عنيف وأنه بدون ذلك يصبح كل ما يقوم به من ممارسات غير ذات قيمة.

وفي اللاهوت الجاني لا يهم أسباب ممارسة العنف أو صحة الهدف من وراء ذلك، فكل جاني عليه أن لا يؤذي ولا يقتل أي كائن واللاعنف هو الواجب الديني الأسمى.

وفي النصوص الدينية الجانية مثل “أكارانجا سوترا” و “تاتفارثاسوترا” يجب على الإنسان أن يتخلّى بصورة كاملة عن قتل الكائنات صغيرة أو كبيرة متحركة أو ثابتة، وألا يكون سببًا في ذلك.

وتؤكد الجانية على أن اللاعنف ينسحب على الفكر والحديث فبدلًا من الكراهية عليك أن تقدم الخير والمساعدة ، فالعنف يؤثر سلبًا على الروح، وخاصة إذا ما كان نابعًا من كراهية، وأن في ذلك استمرارية للروح وتهذيب للذات ومساعدتها على التحرر، وتجنب الكارما السيئة.

وفي بعض الحالات أبيح للرهبان الجانيين استخدام العنف وذلك عندما تم اضطهادهم واضطروا لحماية الراهبات من المهاجمين.

– الحقيقة لها أوجه كتعددة 

المبدأ الثاني من مبادئ الجانية أن الحقيقة والكون معقدان ولهما الكثير من الأوجه والإنسان يمكنه أن يختبر طعم الحقيقة، ولكنه لا يستطيع التعبيرعنها بشكل كامل بوسائله اللغوية، والأمر ينطبق أيضًا على التجارب الروحية والحقائق المتعلقة بالروحانيات.

– عدم الارتباط بالأشياء الدنيوية

هو المبدأ الثالث في الجانية وهو يعني عدم السعي للتملك والالتزام بالزهد في أمور الدنيا، والرهبان غيرمسموح لهم بالتملّك بينما الأشخاص العاديين يسمح لهم بامتلاك ما سعوا لكسبه بشكل مشروع بالجد والاجتهاد والأمانة.

كيف تصبح معلمًا جانيًا؟

للوصول إلى رتبة معلم أو مستشار في الجانية عليك أن تكون التالي:

  • تتخلى عن الشكوك الإيمانية.
  • لا تتردد حول حقائق الجانية.
  • أن ترغب بصدق في تعلم الجانية.
  • الاعتراف بزملائك الجانيين.
  • الإعجاب بالجهود الروحية.

الممارسات الجانية

الجانية

الزهد والرهبنة: تشتمل الجانية على أقوى مستويات الزهد والرهبنة، حيث يعمل الراهب على ارتداء البسيط من الملابس والصوم وإماتة الجسد والتكفيرعن الذنوب للتخلص من الكارما الماضية، والامتناع عن تكوين كارما جديدة، والوصول إلى حالة التحرر، وفي النصوص الجانية يتضمن التقشف التالي:

  • الكفارة.
  • الاعتراف.
  • احترام المتسولين.
  • مساعدة المتسولين.
  • الدرس والتعلم .
  • التأمل.
  • تجاهل الرغبات الجسدية.

التأمل في الجانية

التأمل (دهيانا) من الممارسات الضرورية في الجانية حيث يرتبط بإيقاف الكارما وهو ليس هنا وسيلة لتحقيق الذات كما هو الحال في الديانات الهندية الأخرى، حيث يمارسها الجاني مع اليوجا في المعابد ويقوم بالأعمال الخيرية.

الطقوس التعبدية

الجانية
طقوس تعبدية

العبادة في الجانية تعرف باسم (ديفابوجا) حيث يدخل الجاني إلى المعبد بملابس بسيطة حافي القدمين، ومعه طبق مليء بالقرابين، فينحني ويترك قرابينه ويذهب.

ويؤمن الجاني بفاعلية الترانيم مثل المانترا والتانترا مثله مثل الهندوسي، حيث يعتقد أن لها مزايا في العوالم الأخرى ومن يتلوها يستحق الأفضل عند إعادة الميلاد.

الأعياد الجانية

ومن أهم أعياد الجانية مهرجان “باريوشانا” ويبدأ الاحتفال به في شهر أغسطس أو سبتمبر في اليوم الثاني عشر بعد تلاشي القمر، ويستمر لثمانية أيام، ويستحب في هذه الأيام الصيام، كما يتم التأكيد على العهود الخمسة للجانية.

النصوص الجانية

النصوص المقدسة للجانية تعرف باسم “أجاماس” ولقد تناقلها الناس شفهيًا، ونشأت من عظات “التيراثانكراس”  ويعتقد أن الجانيين قد احتفظوا بحوالي 45 كتابًا من أصل 50 كتابًا للعقيدة الجانية.

المعابد الجانية

تحتوي المعابد الجانية على صور “التيراثانكراس” الثابتة والمتحركة حيث يتم وضع علامة على إحدى الصورباعتبار أنها الإله الأساسي (مولناياك) ويوجد بالمعبد عمود الشرف (مانستامبا) وهوأحد معالم معابد الجانية الرئيسية وجزء لا يتجزّأ منها، ويحتوي الجزء العلوي منه على أربعة صور ضخمة “للتيرثانكارا” أو الألهة الرئيسية للمعبد وكل صورة تتوجه نحو جهة من الجهات الأربعة الشرق والغرب والشمال والجنوب.

—————————————–

المصادر

https://www.worldhistory.org/jainism/ 

https://www.pewresearch.org/fact-tank/2021/08/17/6-facts-about-jains-in-india/

 

 

إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.