الحضارة الصينية
نشأت الحضارة الصينية العظيمة على ضفاف “النهر الأصفر” و “نهر اليانج تسي” قبل آلاف السنين، ويرجع تاريخ أول سجلات تؤرِّخ لهذه الحضارة العريقة إلى عام 1250 قبل الميلاد، ومن النصوص التاريخية التي تركها الصيني القديم “كتاب الوثائق” الذي كُتب في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، و”سجلات الخيزران” وكُتبت عام 296 قبل الميلاد، وكذلك “سجلات المؤرخ الكبير” وكُتبت عام 100 قبل الميلاد.
لقد سكن الإنسان هذه الأرض منذ عصور سحيقة، وعثر العلماء على حفريات للإنسان المنتصب في أرض الصين وقدرت أعمارها بحوالي 1.36 مليون سنة، كما وجدوا أدلّة على استخدامه للنار، وصناعته لبعض الأدوات التي استخدمها في حياته في تلك الحقبة المبكرة من تاريخ البشر، ومن هؤلاء “رجل يوانمو” ورجل “بكين”.
نبذة تاريخية
يبدأ تاريخ الحضارة الصينية من أول سلالة حاكمة للصين مذكورة في الوثائق التاريخية وهي “سلالة شانج” ويعتقد البعض أن سلالة آخرى تعرف باسم “سلالة شيا” سبقتها للحكم ولكن لم يرد ذكرها في أي نصوص مكتوبة. وبعد سلالة شانج، تولت سلالة “زو” الحكم في الفترة ما بين عامي 1046 – 256 قبل الميلاد، وتعرضت هذه السلالة في نهاية فترة حكمها إلى ضغوط داخلية وخارجية أدت إلى تقسيم البلاد لولايات أصغر نشبت بينها الكثير من الحروب والصراعات حتى تمكن “تشين شي هوانج” من توحيدها عام 221 قبل الميلاد وأطلق على نفسه لقب إمبراطور.
الحقبة الإمبراطورية 221 قبل الميلاد – 1912 ميلادية
وتشكل هذه الفترة الجزء الأكبر من تاريخ الصين حيث صعدت الكثير من السلالات إلى الحكم وقامت بتنمية الحضارة الصينية وساعدت على ازدهارها سواء في أوقات السلم أو اثناء الحروب التوسعية والحروب التي خاضتها البلاد لقمع التمردات.
ويمكن تقسيم هذه الحقبة إلى مراحل هي:
- حكم سلالة كين 221 – 206 قبل الميلاد
- حكم سلالة هان 206 قبل الميلاد – 220 بعد الميلاد
- العصور المظلمة: 220 – 581 ميلادية
- العصور الوسطى 581 – 1368
- حكم سلالة سو 581 – 618
- حكم سلالة تانج 618 – 907
- حكم سلالة سونج 960 – 1297
- حكم سلالة يان 1279 – 1368
- عصر النهضة 1368 – 1912
في عام 1912 تحولت إمبراطورية الصين إلى جمهورية، ثم نشأت جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 وبعد صراع سياسي أصبحت جمهورية الصين الشعبية الممثل الوحيد للأمة الصينية في مؤتمرات الأمم المتحدة في عام 1971.
المخترعات والنهضة العلمية فى الحضارة الصينية
آثرت الحضارة الصينية القديمة على تاريخ البشرية تأثيرًا كبيرًا منذ القرن السابق لولادة المسيح وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، فقد تمكنوا من صنع الورق واختراع الطباعة والبوصلة والبارود.
الورق
لقد كانت الحضارات المختلفة قديمًا تستخدم بعض المواد الطبيعية الموجودة في البيئة لتسجيل مكاتباتها فمنهم من استخدم سيقان العشب مثل قدماء المصريين ومنهم من صنع الألواح الطينية مثل حضارة سومر وما بين النهرين ومنهم من كتب على أوراق الأشجار مثل الهنود، أو استخدم جلود الحيوانات كالأوروبيين.
وكان أول نوع من الورق صنعه الصينيون يسمى “بو” وتم إنتاجه من الحرير ولكنّه كان يعدّ مكلفًا للغاية، ولذا استخدموا خامات أقل ثمنّا مثل اللحاء وسيقان القمح وبقايا الأقمشة فكان الخليط الناتج أكثر ملائمة للكتابة زاستخدام فرشاة الكتابة وأقل ثمنّا من سابقه، وبحلول القرن الثالث الميلادي راجت صناعة الورق وانتقلت إلى كوريا واليابان، ثم عرفها العالم العربي في عصر أسرة “تانج” كما وصلت إلى أوروبا في القرن الثاني عشر الميلادي، ومنها إلى أمريكا في القرن السادس عشر الميلادي.
الطباعة
قبل أن يخترع الصينيون القدماء الطباعة، كانت الكتب تكتب بخط اليد وهو أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، وكان كتاب “سوترا بوذية” هو أول كتاب مطبوع في التاريخ حيث طبع قبل ألفي عام تقريبًا في عهد أسرة “هان” التى حكمت الصين فى الفترة من 202 ق.م الى 220 م وبدأت الطباعة بنقش الكتابة والصور على الحجر ثم تلطيخه بالحبر وطباعته على الأوراق وعرف هذا النوع من الطباعة باسم “طباعة الكتل” وانتقلت الطباعة إلى دول شرق أسيا الآخرى مثل اليابان وكوريا وفيتنام والفلبين، ولكن كان هذا النوع من الطباعة غير عمليًا فمجرد خطأ كان كفيلًا بجعل الحجر كله غير نافع، ولذا بدأ الصينيون في نقش الصلصال للطباعة عليه.
البوصلة
تعد البوصلة أول أداة إرشاد في العالم وهى من انجازات الحضارة الصينية الهامه ، فهى حاليًا أداة ملاحية لا غنى عنها ولقد تم اكتشاف الإبرة المغناطيسية بالصدفة خلال عمليات استخراج الخامات، حيث تمكن الصينيون من العثور على خام المجنيتايت الذي يجذب الحديد ولاحظوا أنّه يشير دائمًا جهة الشمال وبعد العديد من التحسينات ظهرت البوصلة بشكلها المعروف، وكان البحّارة قبلها يعتمدون على مواقع النجوم والشمس والقمر لتحديد اتجهاتهم.
البارود
وكان قديمًا يعرف باسم “مستحضر الأرواح” وتم تحضيره من قبل الخيميائيين حيث كانوا يخلطون بعض المواد بنسب خاصة لإحداث تفجير كبير، وكان للصينيين ثلاثة صيغ كيميائية لخليط البارود من الكبريت والفحم والملح الصخري، وكان البارود يُستخدم في البداية في الاحتفالات، قبل أن يصبح سلاحًا حربيًا فعّالًا.
قال الفيلسوف الإنجليزي المعروف فرنسيس بيكون: “إن اختراع الطباعة والبارود والبوصلة أعاد تشكيل العالم”. وكلها كانت من إبداعات الحضارة الصينية القديمة.
العقائد والحياة الروحية
تعد الكونفوشيوسية والتاوية والبوذية الديانات الرئيسية في الصين القديمة وجزء مهم من سمات الحضارة الصينية .
ولقد أحدثت آثرًا بالغًا في حياة الشعب الصيني امتد على مدار تاريخه الطويل. فلقد كان لها أبلغ الآثر على الفنون والعلوم ونظام الحكم والحياة الاجتماعية وعلى الرغم من أن الديانات الثلاثة تختلف في بعض النقاط، إلا أنها تجتمع في الكثير من النقاط، بل أنها امتزجت وتفاعلت مع بعضها البعض في الكثير من الأحيان حتى أصبحت مزيجًا متجانسًا يتماشى مع نمط حياة الصينيين ويتناغم معه بشكل تام.
الكونفوشيوسية
تعد الكونفوشيوسية بمثابة فلسفة أكثر من كونها ديانة، ولقد رسمت خطوط الحياة الأولية للمجتمع الصيني القديم، وقد عاش مؤسسها الحكيم كونفوشيوس بين عامي 551 – 479 قبل الميلاد.. كان فيلسوفًا وسياسيًا، وظهر في فترة كانت الأخلاقيات الصينية تتدهور فيها بسبب الصراعات السياسية.
قام كونفوشيوس بترجمة بعض التعاليم الدينية القديمة وحولّها إلى مبادئ أخلاقية وتوجيهية تشمل جميع مناحي الحياة الاجتماعية، ولقد تركزت تعاليمه على المعاملات الإنسانية، ووضع مبدأ “عامل الناس كما تحب أن تعامل” وقال أن على كل إنسان أداء ما عليه من أدوار والتزامات باحترام وتهذيب تجاه الآخرين، وأن هذا ما سيبني دولة أفضل. ولم يركّز كونفوشيوس على الحياة الآخرة والألهة والتصوّف فتعاليمه وأفكاره أقرب إلى الفلسفة منها إلى الدين.
ولقد هيمنت الكونفوشيوسية في عهد أسرة “هان” منذ عام 206 قبل الميلاد وحتى 220 ميلادية، ولايزال هيكل المجتمع الصيني يركّزعلى مبادئ الكونفوشيوسية من احترام والتزام أسري واحترام للأجداد وانضباط ذاتي.
التاوية
تهتم التاوية بالروحانيات وهي ديانة متقدمة زمنيًا عن الكونفوشيوسية فعمرها ينهاز الألفي عام، وهي تنادي بتوافق الإنسان التام مع الطبيعة، وعدم الخروج عن مقتضياتها ومن خلال ذلك يحقق الإنسان الخلود ليس على المستوى الجسدي وحده ولكن خلود الروح، وهي ديانة لا تهتم بالأمور السياسية والاجتماعية بقدر اهتمامها بالروحانيات.
ولا تتعارض التاوية مع المبادئ الأخلاقية الخاصة بالكونفشيوسية فهما متكاملان، وكان لكلٍ منهما دورًا هامًا في بناء النسيج الثقافى للمجتمع الصيني، وكذلك كان للتاوية تأثيرًا على الفن والأدب، وعلى الطب والعلاج فلقد ساعدت الصيني على الاهتمام بالطبيعة وملاحظتها والانخراط فيها والتناغم معها ومن هنا تطوّر طب الأعشاب الصيني إلى حد بعيد، وكان الطاويون معالجين مهرة يتابعون تأثير العلاج على الإنسان والحيوان وكونوا رصيدًا كبيرًا من المعارف الجماعية المشتركة، أسهمت في تحقيق هدفهم وسعيهم لإطالة عمر الإنسان وتمتعه بالصحّة والعافية.
البوذية
تعد البوذية الديانة الثالثة لدى الصينيين، ولقد تأسست على يد “سيدهارتا جوتاما” المعروف باسم “بوذا” ولقد عاش في الهند في القرن السادس قبل الميلاد وهي ديانة تركّز على تنمية الذات واكتساب المعارف العميقة، ويسعى البوذيون إلى الحصول على التنوير من خلال ممارسة التأمّل والممارسات الروحية الآخرى، ويؤمنون بالعودة للتجسد وبأنّ الحياة مؤقّتة وأنها حياه وهمية ومثقلة بالألم والمعاناه بينما الوصول إلى النيرفانا والوصول الى معرفة الذات والطبيعة الروحية للانسان هو ما يمكن أن يخلّصه من المعاناة.
وللبوذية طوائف عدّة كل منها يركّز على جانب من جوانبها، وأكبر طائفتين بوذيتين هما:
- ثيرافادا: وتتمركز في جنوب القارة الأسيوية.
- ماهايانا: وتتمركز في الصين وشرق أسيا.
ونشأت البوذية في الهند ثم انتقلت منها إلى الصين في القرن الأول الميلادي، وساعد على انتشارها وجود التاوية فقد كانت الكثير من ممارساتها مشابهة للتاوية، واستخدم رهبان البوذية بعض مفاهيم التاوية لشرح ديانتهم للصينيين وتمكنوا بذلك من كسر الحواجز الثقافية واللغوية بين الهنود والصينيين.
ونشأت بعض المنافسة بين التاوية والبوذية من أجل اكتساب الأتباع والتآثير على هياكل الحكم والسياسيين، ما زاد من حيوية الديانتين ومع الوقت أصبحت البوذية أكثر انتشارًا واندمجت مفاهيمها مع مفاهيم الكونفوشيوسية والتاوية لتصنع أساسًا قويًا ومتينًا للمجتمع الصيني وحكومته قديمًا وحديثًا. وللبوذية تأثيرات عميقة على الأدب الصيني وعلى الفن والعمارة.
العمارة البوذية في الصين
بعد انتشار البوذية في الصين انتشرت معها العمارة الخاصة بهذه الديانة وتم بناء العديد من المعابد تقدر بحوالي 45 ألف معبد، وكان بناء المعابد يعبرعن نمط العمارة البوذي وقد أثر بشكل كبير على الهندسة المعمارية الصينية بوجه عام، ومن أهم النماذج الباقية الباجودا pagoda المبنية من الطوب في معبد سونجيو the Songyue Monastery.