التاوية

0

نشأة التاوية

تتجذر التاوية Taoism كمذهب فلسفي ومعتقد ديني في الحياة الصينية وكانت نشأتها منذ 2000 عام تقريبًا، وهي تدور حول ما يعرف “بالتاو” أو الطريق الذي يربط الكون بعضه البعض ويحقق له الوحدة والتناغم، فكل شئ مترابط ومتوازن في التاو.

والتاوية أو الطاوية هى دين الوحدة بين المتناقضات ففي النهاية هذه المتناقضات هي ما يخلق الاتزان والانسجام، فقوتي ” الين” و ” اليانج ” متاكملتان وهما الفعل واللافعل، النور والظلمة، الحار والبارد.

التاوية
الحكيم لاوتسو

يدعم المذهب فكر التوحّد مع الطبيعة والسعي للوصول إلى الخلود الروحي والتطور الذاتي وذلك عبر ممارسة التأمّل و”الفنج شوي” ( طاقة المكان ) والكهانة وترديد نصوص الكتب المقدسة، ولقد كانت التاوية من أقوى الديانات في الصين قبل الثورة الشيوعية ، ولكن انخفضت أعداد معتنقيها منذ ذلك الحين وأصبح من العسير معرفة أعدادهم الحقيقية.

المعتقدات التاوية

إن فكرة التاو يصعب التعبير عنها بالكلمات، فالتاو ليس اله وليست شيئًا محددًا أو مادة معروفة، وعلى الرغم من أنه من الصعب علينا إدراكها، تبقى ملحوظة في الكون كله، فهي تُظهر الوجود ولا تمتلك وجودًا ظاهرًا.

وإذا توحدت مع التاو عندها يمكنك تنمية ذاتك والعيش في توافق ، وتجمع كلمة التاو مجموعة من المفاهيم يمكن التعبير عنها من خلال التالي:

  • أنها مصدر الخلق.
  • غير قابلة للوصف أو التحديد.
  • غير قابلة للتسمية.
  • أنها تحوي الكون كله.
  • وأنها طريق الطبيعة.

الآلهة في التاوية

تقديس الالهة أمر مهم فى هذا المذهب، ولكن التاو نفسه ليس بإله، إنه الوعاء المقدس لكل الأشياء، وهو يضم آلهة في ذاته، والتاويون يقدسون “لاوتزى” باعتباره تجسيدًا للتاوية وللآلهة . ومن مفهومهم أيضا فان الآلهة لها أدوار تقوم بها ولها ألقاب وليس أسماء، فهي آلهة وظيفية وليست آلهة في ذاتها وألقابها تعبرعن الوظائف التى تقوم بها فى الكون.

مفهوم الواحد 

الواحد هو جوهر التاو وطاقة الحياة الأساسية وهي الأم وهي الإبن، ويعبر عنها ب “وو” و”يو” ، فالأولى تمثل اللامحدودية والوفرة والتجدد بينما يمثل “يو” اللاشئ.

تيمن وجهة نظر التاوية

“تي” في المذهب التاوى تعني الفضيلة، أو السلطة الداخلية على النفس، وهي أيضًا الأخلاق في تعريف الحكيم كونفوشيوس، وهي الجودة والمزايا الأخلاقية في البوذية.

إنها قوة تمنحها السماء لبعض الأشخاص ممن ارتقوا روحيًا يمكنهم بها التأثير على سلوك الآخرين وهي ترتبط بالشخصيات الأكثر حكمة والمثاليين ممن يعيشون في وئام مع عناصر الوجود.

 العفوية في التاوية

في المذهب التاوى يجب السماح للإنسان أن يتطور بعفوية وبصورة طبيعية وتلقائية وبدون الدخول معه في صراعات، وللوصول للحالة المثالية في التاوية عليك أن تسمح للطبيعة والفطرة أن تأخذ مجراها وتعرف هذه الطريقة في التاوية باسم “وو وي” وهو العمل الذي لا نزاع فيه ولا يخرج الأشياء عن طبيعتها.

إن “وو وي” يعني التوافق التام مع الطبيعة وعدم عرقلة التاو ولذلك فإن أهم ما في التاوية هو الحفاظ على التوازن والتناغم مع الطبيعة من أجل أن يجد البشر طريقهم في الحياة، إنها حياة تشبه تدفّق النهر في مجراه بحرية عبر الحقول.

إن الفطرة والعفوية بهذا المفهوم ليس معناها منع الإنسان من التخطيط لحياته ولكن عليه أن يفعل ذلك بما يتوافق مع القانون الكونى، ومن غير أن يكون مدفوعًا بالأنا، ومن غير أن يترك خلفه آثرًا من المعاناة أو الخلل.

الين ” و ” اليانج ”  

التاوية
الين واليانج فى التاوية

“يانج” في التاوية هى القوى الطبيعية الكاملة وهى الأنماط والأشياء التي تعتمد على بعضها البعض وتكمل بعضها البعض وليس لها معنى بدون ذلك التكامل، ويمكن اعتبار “ين” و “يانج” هنا انهما يمثلان كافة المتضادات، الأنوثة والذكورة، الرطوبة والجفاف، الظل والحر، الحركة والتوقف. إنها أضداد تعمل معًا في توافق تام. هى ثنائية متناغمة وليست متنافرة، فالمنطقة المضيئة تحوي شيء من الظلمة والمنطقة المظلمة تحوي شئ من النور وكلاهما متداخلان ومتكاملان ومتناغمان بصورة تامة.

والين واليانج ليسا ثابتين فهما مثل المد والجزر قد يطغى أحدهما على الآخر في بعض الأوقات ولكن ذلك جزء من الفطرة ومن الطبيعة الكونية.

الجسد فى التاوية  

فى المذهب التاوى يعتبر الجسد صورة مصغرة  من الكون، وكل أجزاء الجسم لها نظير في الكون، فالجسد مثل الكون الأكبر تعيش فيه روح الاله .  

طاقة التشي 

تشي هي الطاقة الحيوية للكون التي تساعد الكائنات على البقاء وتربط بينها وبين الكون، وهي المادة الأساسية لكل الموجودات ، إنها طاقة الحياة تتجذر في الجسد البشري، وتحدد صحة الإنسان وجودة حياته.

وهناك كمية طبيعية أو صحية من “تشي” في الجسم البشري يمكنها أن تحفظ له صحته، فالاعتدال يعني تدفّق الطاقة في الجسد بسلاسة، فلهذا التدفق الطاقي نظام معقد حيث تهبط الطاقة من الجزء العلوي من الرأس إلى الذراعين والساقين حيث تصل نبضات “تشي” إلى الرسغين والكاحلين والأصابع، وتوازن هذا التدفق هو الهدف الأساسي للصحة.

إن حياة الإنسان هي تراكم لطاقة “تشي” يكتسبها منذ الولادة من الهواء والطعام، وكذلك يكتسبها من الآخرين، من خلال التفاعل الجسدي والعاطفي والاجتماعي، وعندما تسوء جودة الهواء ويتم إثقال الجسم بالطعام والشراب وينخرط الإنسان في مشاعر سلبية ويسرف في الملذات يفقد “التشي” ويستنفدها بسرعة.

الخلود في التاوية

الخلود لدى التاويين هو تتويج لما فعله التاوي طوال حياته بانسجامه مع الطبيعة فيكون الموت هو كمال الاتحاد بالكون والتماهي معه، فالخلود الروحي هو هدف التاوي، وتحويل طاقة تشي لديه إلى روح نقية هو مبتغاه في هذه الحياة، ومن أجل ذلك فإن التاويين يمارسون التأمّل المكثّف، ويتدربون بتمارين وممارسات تصل بهم للنشوة الروحية، ويتّبعون نظامًا نباتيا صارمًا.

الوصول للخلود عند التاوية انما يأتي عبر التغلب على الميول والرغبات الفيزيقية الطبيعية وتحويلها إلى طاقة تشي مختلفة تتجاوز الموت، فلا يكون لنهاية الجسد تأثيرًا على الاستمرارية الروحية ، حيث يحظى المرء بمكانه سامية موجودة فى مستوى من مستويات الكون العلية .  

المعرفة والنسبية 

لا يوجد معرفة واحدة كاملة ونهائية ، وإنما ينال كل فرد بعضا من المعارف فقط ، فمعرفة البشر تبقى جزءا من المعارف الكونية المتكاملة . كما أن أى معرفة يكتسبها الأفراد انما يتداخل فيها رؤاهم ووجهات نظرهم ، ولأن الكون في تغير دائم، فان المعارف أيضا تتغير بالتبعية. 

                                                                 التاوية الغربية

ينتشر المذهب التاوى في الغرب، إلا أنه تختلف بشكل كبير عن التاوية الصينية وذلك رغم بناء المعابد الخاصة به في أماكن مختلفة من العالم والتعبد للالهة التاوبة والاحتفال بمهرجاناتها الدينية.

ويتم تدريس التاوية في الغرب كفلسفة إلحادية إلا أنها في الصين وتايوان هى ديانه مثل الديانات التقليدية الأخرى وهى تتفاعل مع غيرها من المعتقدات المنتشرة في الصين مثل البوذية بل وتشترك معها فى الكثير من المفاهيم .

والكهنة في التاوية يوكل إليهم مهام العبادة والشفاء وطرد الأرواح الشريرة والشفاعة والتطهير والعرافة وغيرها من الأمور الدينية .

التقاليد الدينية 

التاوية
الدير التاوى

للكهنة التاويين هيكل هرمي جيد التنظيم واضح المعالم، ولها قواعد وتوجيهات خاصة، ومبادئ وطقوس ترسيم وإجراءات تسجيل.

ويقع معبد “السادة السماويون” في تايوان، بينما يقع فرع مدرسة “الكمال التام” في بكين، وهذه المدرسة هي ما يعلم رهبان الديانة الممارسات التاوية والطقوس الخاصة بها.

ويعتمد الدير التاوي الزهد والبساطة في كل شئ، وله رئيس يساعده مشرف وعميد مسؤول وأمين صندوق ومعلم تأمّل ومدير قرابين والكثير من المشرفين، وبالدير نباتات زراعية وطهاة  والكثير من الكتبة.

يبدأ اليوم في الدير من الثالثة صباحًا وينتهي في التاسعة مساءً، وتُمارس خلال تلك الفترة العبادات من تأمّل وعمل وأداء واجبات، حيث ينشغل الجميع في أداء مهامهم من زراعة وتنظيف وطهي وغيرها من المهام.

والصمت سمة واضحة في الدير التاوي، حيث لا يسمع فيه إلا القليل من الكلمات، وهم يتجنبون استخدام الأضواء الصناعية.ويدرس الكهنة الموسيقى ويكتسبون الكثير من المهارات ويتعلمون اللاهوت والترتيب الهرمي الروحي للألهة التاويه.

الشامانية

خبراء التاوية يسافرون بأرواحهم إلى عوالم عليا في الكون كما يخرج الشامان من جسده فى طرح روحى ، ويسافر التاوي بروحه من خلال طقوس من ضمنها التأمّل وهو ما يقربهم أكثر من التاو.

الأخلاق   

يشجع هذا المذهب أتباعه على الابتسام في وجه الصعوبات وتحمّل مشقات العالم، والانفصال عن كل ما يعكرّ صفو الطبيعة والعيش بهدوء، وهي تحثّ على الالتزام بالأخلاقيات والسلوكيات الطيبة والسيطرة على الرغبات الجسدية والارتقاء عليها، وتميل للعفوية والبساطة.

والتاوية هي المسار الطبيعي العفوي الأبدي للإنسان الذي يتفق مع الفطرة ويتسق مع تدفّق الكون، إنه ينساب مثل الماء من خلال طبيعته الأخلاقية المنتجة ولا يعطل المسار الطبيعي للحياة من حوله.

فالأخلاق التاوية تهتم بأن يكون الانسان شخصًا صالحًا يعيش في وئام مع الأشياء والمجتمع من حوله.

الممارسات التاوية

تمارس التاوية عبر سلوكيات أخلاقية تشبه ما في الديانات الآخرى حيث يحرّم على التاوي القتل والسرقة والكذب والزنا ويتم تشجيع التاوي على السلوك النافع من محبة وإيثار وكل ذلك يأتي ضمن السعي للارتقاء بالذات ومن ثم المجتمع ككل .  

ان الهدف الأسمى في التاوية هو أن تكون شخصًا أفضل وعندما يتحقق هذا فان الكون من حولك سيرتقى على نفس المثال .

فكرة الذكر والأنثى 

تساوي التاوية بين المذكر والمؤنث وذلك بمفهوم اليين واليانج فهما متكاملان ومتساويان ولا ينفصلان، وتستخدم التاوية الصيغة المؤنثة في أكثر الأمور المقدسة فتعتبر التاو هي أم الكون وأم الأشياء.

والنساء في التاوية كاهنات وفي الحكايات الأسطورية التاوية يوجد للنساء دور كبير، ورغم ضعفهن نسبيًا فإنهن يتفوقن في النهاية.

السياسة 

تعتبر التاوية أن القائد الصالح هو من يدير بلاده بالقدوة الحسنة، وبأقل قدر من التدخل في حياة الناس.

الطبيعة البشرية

تطلب التاوية من البشر التماشي مع الطبيعة وتحقيق الانسجام التام معها ومع نظامها، فالغرض من التاوية أن يعود الإنسان للإتساق مع نمط الوجود، فإذا انحرف الإنسان عن النظام الطبيعي للكون سيجلب على نفسه الدمار.

وتعتبر التاوية أن تحسين السلوك البشري لا يأتي عبر الضغوط الاجتماعية والعقوبات، ولكن من خلال وجود القدوة الحسنة، وهي تشجع على ممارسة التمرينات الرياضية التي تحتاج منك إلى قدر عالي من اللياقة مثل الجمباز، وتشجع على اتباع نظام غذائي صحي، وكان للمذهب التاوى تأثير كبيرعلى الطب الشعبي الصيني، فهي تعتبر أن كل خلل يصيب الجسد إنما هو نابعًا من عدم توازن اليين واليانج وإعاقة تدفّق طاقة “تشي” بحريّة في الجسد، ومن هنا جاء العلاج بالوخز بالإبر للمساعدة على تدفق الطاقة عبر خطوط الطول في الجسم.

 ولقد تبنت الحركة الهيبية في ستينيات القرن الماضي مبادئ التاوية لتعزيز الحريات والتخلص من القيود المجتمعية.

أهم شخصيات التاوية

يعبتر الحكيم “لاو تزى” بمعنى السيد القديم هو مؤسس المذهب التاوى وله مؤلفات رائعة موجودة إلى عصرنا هذا منها كتاب “تاو تي تشانج”. 

——————————————

المصادر

https://www.bbc.co.uk/religion/religions/taoism/

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.