على الرغم من أن لدينا بعض المعلومات عن تطور الكائنات البحرية ، إلا أننا لا نعرف الكثير عن الحياه البحرية ولم نسبر بعد أغوار المحيطات، فمازالنا نجهل الكثير عمّا يكمن في هذه الأعماق السحيقة، ويطلق على أعمق نقطة تحت سطح المحيط اسم “تشالنجر ديب” وهي تقع في خندق خليج مارينا وهذا العمق يفوق ارتفاع جبل إيفرست.
تشير كلمة مارين Marine اللاتينية إلى “البحر أو المحيط” وتغطي البحار والمحيطات ما نسبته 71% من المساحة الكلية لسطح الأرض، ولذلك يستوطنها الكثير من الكائنات الحيّة.
الكائنات البحرية مصدر الأكسحين للأرض
الكائنات البحرية أكثر تنوعًا من مثيلتها التي تعيش على سطح الأرض سواء كانت نباتات أو حيوانات أو غيرها من الكائنات، ويعتقد العلماء أن حوالي 50 – 80% من الأكسجين الموجود في العالم يتم إنتاجه عن طريق الكائنات البحرية، وعلى سبيل المثال تنتج بكتريا البروكلوروكوكس Prochlorococcus وحدها 70% من إجمالي نسبة الأكسجين على الأرض.
حقبة ما قبل الكمبري Precambrain era قبل 4.5 مليار سنة مضت
في تلك الحقبة من تطور الكائنات البحرية ، كانت المياه تغمر سطح الأرض بالكامل، وذلك بعد ملايين السنين من تشكّل هذا السطح، وقبل ذلك لم يكن الكوكب قادرا على دعم تكوين المحيطات بسبب ما كان يتعرّض له طوال الوقت من قصف بالمذنبات والكويكبات، وبعد أن تشكّلت المحيطات، بدأت صور الحياة الأولية في الظهورفي صورة كائنات مجهرية وحيدة الخلية، وكان ذلك قبل 3.5 مليار عام، لقد تمكنت هذه الكائنات من الحياة باستخدام طاقة المياه المعدنية الغنية المنبعثة من الفتحات الحرارية المائية. وظلت الحياة في صورتها البسيطة لملايين السنين ثم ظهرت البكتريا المزرقّة Cyanobacteria قبل 2.3 مليار سنة وكانت قادرة على القيام بعملية البناء الضوئي وانتاج الأكسجين الذي يدعم باقي صورالحياة على الكوكب.
ومنذ حوالي 560 مليون سنة بدأت الكائنات الحية تصبح أكثر تعقيدًا وإن لم يكن ذلك بالقدر الذي هي عليه اليوم، حيث ظهرت الكائنات ذات الأصداف الناعمة، وكان قاع البحر مغطى بالسعف، ويعرف أقدم حيوان كان يعيش في البحر باسم ديكنسونيا وقد تعرّض للانقراض، ومن الكائنات الآخرى التي كانت تعيش في العصر الإيديكاري وتم العثور على حفرياتها تريبراكيديوم وكيمبريلا.
حقبة الباليوزويك Paleozoic era منذ 541 مليون سنة مضت
ظل تطورالكائنات البحرية محدود نسبيًا لمليارات السنين ثم حدث الانفجار الكمبري وتسبب في زيادة أنواعها وأعدادها بشكل كبير، ويرجع العلماء ذلك إلى تكوّن الأكسجين من الكائنات الأولية على مدار مليارات السنين، وتحسن المناخ بحيث أصبح دافئًا مهيئًا لاستقبال المزيد من الكائنات الحية، ولذلك أصبحت الحيوانات البحرية فى هذه الحقبة أكثر تعقيدًا وأكبر حجمًا، وكانت ثلاثية الفصوص هي اللافقاريات الأكثر انتشارًا، ثم انقرضت فيما بعد.
لقد تمكنت الكائنات البحرية من التكيّف مع البيئة التي كانت تعجّ بالكائنات المفترسة فطوروا أشواكًا واقية، والتف جسمهم، واختبئوا تحت الرمال، وتكاثروا بأعداد كبيرة على الرغم من انتشار الحيواتات المفترسة مثل هورديا Hurdia وفيكتوريا victoria وبوريالس borealis وأوتوا Ottoia وتاميسوكاريس Tamisiocaris.
ولكن تعرضت الحيوانات البحرية لانقراض جماعي قبل 252 مليون سنة، يعرف باسم إنقراض العصرالبرمي، حيث اختفت 90% من الأنواع البحرية، وذلك بسبب حدوث سلسلة من الانفجارات البركانية الهائلة استمرت لملايين السنين، وتسبب عن هذه الظاهرة انطلاق كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فانخفضت نسب الأكسجين، وهطلت الأمطار الحمضية التي غيرت بيئة المحيطات والبحار وجعلت الحياة فيها في غاية الصعوبة، فنجت كائنات قليلة من هذه الظروف الاستثنائية.
الحقبة الوسطى Mesozoic era منذ 251 مليون سنة مضت
بعد مرور ملايين السنين من الانفجارات البركانية أصبح الكوكب مستقرًأ خلال هذه الحقبة وأصبحت درجة الحرارة مواتية لنشوء كائنات جديدة، وتوقفت جبال الجليد عن التكوّن، وارتفع مستوى سطح البحر، فازدهرت الحياة في البحار، وكانت الديناصورات والزواحف موجودة على الأرض في ذلك الحين، ومنها الإكثيوصور، والموساسور، والسلاحف البحرية، والبليزوصور والبلاكودونت.
كانت كائنات الإكثيوصور بمثابة دولفين ذلك العصر، ولها أربعة زعانف، ويعتقد العلماء أنها تطورت من حيوان قريب في الشبه من ثعبان البحر وأسماك التونة، ما يعني أن هذه الكائنات عاشت أولًأ على اليابسة، ثم تطورت لتعيش في البحار، وتكونت العوالق كذلك خلال هذه الحقبة، وكانت السلاحف البحرية بطول 15 م تسبح في البحر، ويّعتقد أن البترول الذي نستخدمه اليوم هو عبارة عن عوالق ماتت منذ ملايين السنين واستقر بها الأمر في قاع المحيط.
تطورالكائنات البحرية المفترسة
تطورت الكائنات البحرية المفترسةإ، وأصبح لها سمات الافتراس، كما طورت الفرائس سمات دفاعية تساعدها على حماية نفسها من الافتراس، ومرة اخرى تحدث الكارثة بين العصرين الطباشيري والباليوجيني بعد أن اصطدم كويكب بالأرض، ما تسبب في انقراض الديناصورات، وفي تدمير الموطن الطبيعي للكثيرمن الكائنات، ومات بعضها على الفور، بينما مات البعض الأخر متأثرًا بتداعيات الكارثة، مثل موجات التسونامي، والأمطار الحمضية، بينما تمكن البعض الأخر من التغلب على كل ذلك والاستمرار في الحياة مثل السلاحف والتماسيح.
حقبة الحياة الحديثة Cenozoic era منذ 66 مليون سنة مضت
إنه ذلك العصر الذي نحيا فيه الأن، وقد أدى التحول المستمر للكتل الأرضية إلى تغير تيارات المحيط ، ما تسبب في تنوع أشكال الحياة في المحيط، ولقد ظهرت بعض أنواع الثدييات منها ديموستيليا التي انقرضت منذ 7.25 مليون سنة، وفي ذلك الوقت كانت مياه المحيط أكثر ملوحة ما جعل التيارات الناشئة عن المحيط تثري المياه بعناصر غذائية قيمة ومفيدة للحياة البحرية، وفي ذلك الوقت تطورت الحيتان لتصبح أكبر حجمًا ما يسمح لها بدفع كميات كبيرة من الماء جانبًا أثناء سباحتها حتى تقطع مسافات بعيدة بسهولة، وتستطيع تخزين الطاقة.
أسد البحر وثعالب البحر
فى عصرنا الحالى انقرضت ثعالب البحر وبقرالبحر ، ولكن لم يكن ذلك بسبب عيب في مدى قدرتها على التكيف، ولم يكن بسبب كارثة طبيعية، ولكنه كان من فعل الإنسان، فهو مسؤول عن انقراض العديد من الحيوانات البحرية، مثل الأوكس العظيم وكائن ختم الراهب الكاريبي وأسد البحر بسبب الصيد الجائر وتخريب البيئة البحرية.
وفي الوقت الحالي أصبحت الحياة في المحيط غير أمنة، فالإنسان يستمر في إحداث تغيرات سلبية تؤثر على الحياة البحرية، فهو يلقي بالنفايات في المحيطات، ويتسبب في إطلاق انبعثات خطيرة تتسبب في ظاهرة الاحترارالعالمي وترفع من حرارة مياه المحيط، ، إضافة إلى حوادث تسرب النفط من الحاويات الضخمة التي تعبر المحيط، ما يؤثر على الحياة البحرية، ولذلك إذا ظل الإنسان يتجاهل هذه الكائنات الرائعة وبيئتها التي تعيش فيها، فستظل تنقرض وستختفي صور متنوعة من الحياة في المحيط بشكل يبدو أنه لا مفر منه.
لمعرفة المزيد عن عالم البحار انقر هنا