تاريخ الهرمسية Hermeticism
تمثل الهرمسية مجموعة متنوعة من الأفكار والأنظمة الدينية القديمة التي يعود تاريخها إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد. تُعرف الكتابات الباقية من الهرمسية باسم Corpus Hermetica، والتي تتكون من سلسلة من الرسائل كتبها Hermes Trismegistus. ضاعت هذه الرسائل في العالم الغربي بعد العصور القديمة، لكنها بقيت محفوظة في المكتبات البيزنطية. في القرن الخامس عشر، تم اكتشاف الرسائل وترجمتها إلى اللاتينية وكانت مؤثرة للغاية خلال ذلك الوقت لدرجة أنها عملت كمحفز في تطوير فكر وثقافة عصر النهضة الإيطالية.
ما هي الهرمسية
الهرمسية هي مجموعة من المعتقدات الفلسفية والدينية تستند في المقام الأول على الكتابات المنسوبة إلى هيرمس Hermes . يعود أصل هذه الحركة عمومًا إلى الإسكندرية في القرون الأولى من العصر القديم، حيث توحدت عناصر التصوف اليهودي والمسيحي مع الفلسفة الهلنستية والمعتقدات المصرية القديمة. كونت التقاليد المشتركة التى تألفت من كل هذه المذاهب الصوفية خليطا بدا مقبولا ومقنعا لكل من العلماء المسلمين في أوائل العصور الوسطى والمفكرين الأوروبيين في فجر عصر النهضة.
على وجه الخصوص، فإن الفكرة الهرمسية القائلة بأن الكون يعمل على أساس مبادئ منظمة كانت مفيدة ليس فقط من أجل عمليات ” التنجيم والتنبؤ ” ولكن أيضًا في تطوير المنهج العلمي الحديث. يمكن رؤية هذا الارتباط بشكل أوضح في الأطروحات المحكمة والكيميائية التي كتبها بعض المفكرين الأكثر تأثيرًا في عصورهم الخاصة، بما في ذلك جيوردانو برونو، وجون دي، وفرانسيس بيكون، وإسحاق نيوتن.
من هو هرمس Hermes Trismegistus
هرمس الملقب بثلاثي العظمة Hermes Trismegistus هو شخص وصف بانه حصل على المعارف الثلاثة من فلك، خيمياء ولاهوت، وعاش في مصر القديمة وكان يسمَّى بالعربية ” تحوتى ” ḏhwtj، والتي أصبحت بالقبطيَّة ثووغت θωογϮ وبالإغريقية ثوث Thoth. كان يعتبر هرمس أو تحوتى من الآلهة الفرعونية الرئيسية وكان يعتبر إله السحر والكتابة وتطور العلوم ومحاكمة الموتى، وكان يرمز إليه بجسم بشري ورأس طائر.
مع تداخل الإغريق مع الحضارة المصرية وظهور الهلنستية، تم دمج سمات الإله هيرميس (الذي هو أيضًا إله الكتابة والمعرفة الإلهية) مع توت ليُطلق عليه اسم هيرميس ثلاثي العظمة أو Trismagests وقد تبنى طلابه أفكاره ومبادئه وحكمته، وتم نقل افكاره شفهيا بالدرجة الأولى لأسباب عدة، اهمها عدم تطور الأساليب الكتابية فى تلك الحقبة و الخوف من محاربة واضطهاد المذاهب التى كانت سائدة فى ذلك العصر . نسب الى هيرمس كتابة ما يسمى بلوح الزمرد Emeraled Tablet الذى ذكر أنه يحتوى على الأسرار الخيميائية المتعلقة بتحويل المادة الحية ما اعتبره الخيميائيون الأوروبيون اضافة علمية ذات قيمة عالية
وجد هذا اللوح مكتوبًا باللغة الأطلنطية، وترجم لاحقًا إلى اليونانية في القرن الثاني الميلادي، ثم وجد باللغات السريانية والعربية واللاتينية . وكانت هذه النصوص المكتوبة على هذه اللوحة بداية لنشوء وتطور الكثير من الأفكار والنظريات العلمية حول ما عرف لاحقا باسم “حجر الفلاسفة ” ( المادة التى تحول الرصاص لذهب) و حول العلاقة ما بين الماكروكوزوم (العالم الكبيرمثل الفضاء والمجرات ) والمايكروكوزوم (العالم الصغير مثل الذرة والنواه).
ذُكر ” هيرمس ” لأول مره في كتاب عربي بين القرنين السادس والثامن بعد الميلاد كما لعبت الهرمسية دورًا رئيسيًا في علم الكيمياء العربية والأوروبية. في الواقع، سنجد أن المبادئ الأساسية للهرمسية لها صدى واسع في جميع الحضارات والأديان دون استثناء سواء في الهند أو الصين أو اليابان أو بلاد فارس أو الشرق الأوسط أو الديانات القديمة في إفريقيا وآسيا وأوروبا ودول أخرى.
مبادئ الهرمسية
تستند الهرمسية على سبعة مبادئ أساسية:
العقلانية : Mentalism
وهو أن الكون بأكمله هو خلق عقليٌّ من الاله.
بمعنى أوسع كل الظواهر المادية، وما نسميه الحياة والمادة والطاقة هي في الواقع روح لا يمكننا إدراكها أو تعريفها، ولكن يمكن القول إنها عقل حي، كوني، غير محدود. وأن الكون كله وأجزائه موجودة في ذهن الكل.
خلف هذا التكوين الزماني والمكاني للكون والمتغير باستمرار تكمن الحقيقة الأساسية التي ندعوها ” الكل ولكن ما هو هذا الكلُّ؟ البعض أطلق على هذا الكلِّ اسم الله عز جلاله، البعض أطلق عليه الطاقة الأزلية غير المنتهية، والبعض أطلق عليه الروح الأزلية. يرى الهرمسيون أن الكلَّ سيظل أبدًا غير معروف، لأن كل محاولة لإدراكه من خلال عقل محدود ستبوء بالفشل، ولسبب بسيط هو الوسيلة المستعملة ألا وهي العقل المادِّي المحدود.
بما أن الكلَّ هو أساس كل مكونات الوجود فلا بدَّ أن يكون هذا ” الكل ” هو كل ما هو موجود فى الكون ولا وجود لغيره، بمعنى آخر لا يوجد شيء آخر غيره، وإلا لن يكون الكلَّ. لا بدَّ أن يكون الكلُّ غير محدود، لأنه لن يوجد شيء آخر يحدِّده، أو يضبطه أو يمنعه. لا بدَّ أن يكون أزليًا لأنه لن يكون شيء آخر قبله أو بعده، ولا يمكن أن يكون أتى من شيء آخر وإلا فلن يكون الكلَّ، ولن يزول لأن الشيء الذى يمكن أن يصير للا شيء لا يكون ” الكل ” ، لا بدَّ أن يكون غير محدود بالمكان، لأنه لا يوجد مكان خارجه. لابدَّ أن يكون أيضًا مستمرًا غير منقطع، لا يمكن تقسيمه، مطلق القوة، غير قابل للتحوُّل.
الترابط Correspondance
هذا المبدأ يقول ” كما فى الأعلى يوجد فى الأدنى ” ما يعنى أنه يوجد تماثل بين القوانين التى تحكم مستويات الكون وظواهره . ما ذا يعنى هذا ؟
يعنى ان الأنسان يمكنه استنتاج الحلول الغير ظاهرة لأى مشكلة بالنظر لما فوقها وما تحتها وأنه من خلال المعرفة ببعض المبادىء الهندسية ومن خلال مشاهدة الأنماط فى عالمنا يمكن استنتاج شكل وعمل الأنماط الموجودة فى العوالم الأعلى.
يقول المبدأ ايضا أنه من خلال فكرة تماثل أو تطابق القوانين فان معرفتنا ببعض المعلومات والقوانين الهندسية للكون سيمكننا من استنتاج ومعرفة ما هو فوق المستوى الذى تعرفنا عليه وما هو تحته . أيضا سيمكننا من التعرف على ذواتنا لأننا جزء من هذا الكون وأننا متداخلين ككائنات صغيرة Micro مع هذا الكائن الواسع Macro والعكس صحيح . الكون الواسع متداخل أيضا مع كل فرد فينا .
الاهتزاز Vibration
“لا شيء ساكن، كل شيء يتحرك، كل شيء يهتز”.
أن كل أشكال الحياه من حولنا وما نراه أو نتعرف عليه فى الكون ما هو إلا نتيجة اختلافات سرعات وأسلوب اهتزازات. كل شىء فى الكون يهتز ، لا شىء ساكن أبدا . هذه الأهتزازات تعبر عن نفسها فى صورة طاقة ، الحيوان ، النبات ، الطير ، الجبال والصخوركل شىء له اهتزاز ، له ذبذبة .
تذهب المبادئ الهرمسية إلى القول بإن الأنسان أفكاره ، مشاعره ، رغباته وكافة حالاته الذهنية تطلق اهتزازات أو ذبذبات ترسل للكون وقد يستقبلها آخرون ما يعرف بظاهرة التخاطر، والتأثيرات العقلية من شخص على آخر. تقول الهرمسية: “من يفهم مبادئ الاهتزاز، يمسك بيده صولجان القوة”.
ان من يعرفون كيف يتعاملون مع قانون الجذب هم على دراية كبيرة بفكرة الأهتزاز أو الذبذبات .
مبدأ الأهتزاز الهرمسي يقول ببساطة ان كل الأشياء تحمل طاقتها الفريدة، على جميع مستويات الوجود. فحتى أصغر جسيم في الكون له تردد اهتزازي يؤثر على الأشياء من حوله.
يخبرنا هذا المبدأ أن الأشياء عالية الطاقة تنجذب تجاه بعضها البعض وتتوافق معها. وفي الوقت نفسه، تنجذب الجسيمات منخفضة الطاقة نحو مصادر أخرى ذات طاقة منخفضة. لذلك من أجل الحصول على حياة سعيدة ومرضية حاول أن تصبح مصدرًا للطاقة العالية.
هذا الفهم للاهتزازهو الذي يكمن وراء فكرة قانون الجذب. إذا تمكنت من زيادة تردد الاهتزازات الخاصة بك، فسيكون بامكانك جذب المزيد من الأحداث الإيجابية ذات الطاقة العالية والأشخاص الايجابيين الى حياتك.
من ناحية أخرى، إذا انجرفت إلى السلبية، فسيكون من الصعب جذب ما تريد. يؤمن الهرمسيون أنه يمكن ضبط كل أفكارنا بدقة. بهذه الطريقة، يمكننا جعل ترددنا الذبذبي أعلى تدريجياً بطريقة تغير حياتنا نحو الاحسن.
القطبية Polarity
في هذا المبدأ تتبنى الهرمسية فكرة ثنائية الأشياء أى أن كل شىء له قطبان ، ما تحبُّ وما لا تحبُّ هما الشيء نفسه، المتضادان هما نفس الشىء ولكن كل ضد فى طرف أو لنقل عند درجة أو مستوى ما.
فالقبح والجمال والحب والكره والخير والشر والسعادة والشقاء كلها تبدو متضادات لكنها فى الحقيقة تمثل آخر طرفى الشىء . وفى هذا الخصوص تعتقد الهرمسية أن الأنسان بامكانه أن يغير الضد الى الضد أو النقيض الى النقيض . وذلك بأن يعمل عقله ويتحكم فى أفكاره وانفعالاته وبذلك يمكنه أن يحول الكره لحب والشقاء لسعادة وما يقابله من بشر يتسمون بالقبح الخلقى الى آخرين يتعاملون معه بالمودة .
يعمل مع هذا المبدأ مبدأ آخر وهو ” التوازن المضاد ” بمعنى أن كل فعل له رد فعل مضاد فاذا تكلمت عن شخص بسوء تكلم هو أو غيره عنك بسوء ، واذا مددت يدك لايذاء انسان يأتى من يمد يده لايذائك وهكذا .
هذا على المستوى الحياتى ، وعلى المستوى الروحى ، يدرك الأنسان قيمة الأشياء بوجود أضدادها فلولا المرض لما أحس الأنسان بنعمة الصحة . ولولا الاحتياج لما شعر بنعمة الرخاء ولولا الليل لما أحب النهار وهكذا .ان التعرف على نعم الكون وهباته من خلال المتضادات هو ما يمنح الأنسان الرضا والسعادة .
الإيقاع Rhythm
يقول مبدأ ” الأيقاع ” ان الطاقة الكونية تعمل مثل البندول عندما يتأرجح شىء الى اليمين . لا يبقى هناك للأبد بل يعود فيتأرج الى اليسار. كل شىء يمرعبر دورات ، الحيوان يولد ويموت وكذلك الأنسان ، الأزهار تزدهر وتذبل ، الشمس تشرق وتغيب ، حتى مجريات الحياه التى يعيشها الأنسان فى المال والصحة تعلو وتهبط ، تروح وتجىء . كل أشكال الحياه لها دورات وأنماط فى البداية والنهاية وهذه الدورات ليست عشوائية بل تحكم حياتنا واقتصادنا وعلاقاتنا .
أحد الأشياء الرئيسية التي يمكن أن نتعلمها من مبدأ الإيقاع هو أن كل شيء في حالة حركة مستمرة. هناك نمط للتغييرات التي نمر بها. كل شيء يمر عبر دورات تنتقل من الولادة إلى الموت ثم الولادة من جديد. هنا رسالة مفادها أنه لا يوجد شيء ثابت في الحياة ، لا يوجد شيء دائم سواء كان جيدًا أو سيئًا. كل ما لدينا هو اللحظة الحالية.
إن الانغماس الكامل في كل جزء من دوره حياتنا الحالية هو ما يضمن لنا التعلم والتجربة إلى أقصى حد ممكن.
يعلمنا هذا المبدأ المهم أيضا ضرورة أن نعمل على ارتقاء وعينا باستمرار وذلك بالعيش فى توازن ودون تأرجح وذلك من خلال عدم السماح للأشياء السلبية أن تخترق وعينا .
مبدأ السببية Causation
هذا المبدأ باختصار يرمز لقانون السبب والنتيجة ، الفعل ورد الفعل ، فلكل سبب نتيجة ولكل نتيجة سبب .
يؤكد هذا المبدأ على أهمية الاعتراف بآثار أفكارنا وسلوكنا وأفعالنا ونوايانا على أنفسنا وغيرنا ، وما يستتبع ذلك من أهمية الأنتباه الى اختياراتنا وكيف يمكننا تغييرها لإحداث تأثيرات أكبروأفضل تزدهر بها حياتنا وحياه من حولنا .
الجنس Gender
الجنس موجود في كل شيء. لكلِّ شيء طبيعة ذكرية وأنثوية. يظهر الجنس على كل المستويات. إن كلمة Gender تأتي من المصدر اللاتيني بمعنى ” كوَّن” أو ” أنشأ” وبالتالي فهي ذات معنى أوسع بكثير من كلمة جنس بالمعنى الفيزيائي sex، فالجنس الفيزيائي هو ظهور مفهوم الجنس على مستوى الحياة العضوية او البيولوجية، فيصبح عندنا رجل وامرأة أو ذكر حيواني وأنثى حيوانية. المعنى الأشمل لا يقتصر فقط على المستوى العضوي، بل يذهب أكثر من ذلك إلى مستوى الجزيئات والذرات والأيونات والكهرباء والمغناطيس والطاقات النفسية، وغالبًا ما تعتبر الهرمسية كل ما هو إيجابي ذكري، وكل ما هو سلبي أنثوي.
تشير الهرمسية إلى الإله الأعلى بمصطلح “الله”، “الـكل” أو “الواحد” المطلق هو التركيز المركزي للهرمسية، لذلك لا يمكن تصنيفها بحسب الديانات التقليدية وحتى ليس على مقياس بين الديانات التوحيدية أو الديانات المتعددة الإلهة بل تتعداهم. تشدد تعاليمها عاى وجود إله غير محسوس “نحن” والكون يتشاركون به. كما تعترف بوجود كائنات اخرى مثل الآلهة والملائكة والجن في الكون. تؤمن الهرمسية باللاهوت القديم الذي هو أساس كل الديانات.
توازن الجانبين الذكورى والأنثوى
ينص المبدأ السابع على أن كل الأشياء لها صفات ذكورية وأنثوية. نعم، يمكن اعتبار الجنسين تجسيدًا ماديًا لهذا المبدأ، ولكن كما نفهم جميعًا، على المستوى الداخلي، فإننا جميعًا نمتلك تلك الطاقتين . توجد الطاقة الذكورية والأنثوية ليس فقط في المستوى المادي ولكن في المستوى العقلي والروحي أيضًا. تعد وحدة هاتين الطاقتين أمرًا ضروريًا للخلق، وعندما يكون لدى المرء توازن بين الاثنين، يكون قادرًا بشكل أفضل على تطبيق جميع المبادئ السالفة الذكر معًا لتحقيق أقصى فائدة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه ليس من الضروري الإيمان بالصورالنمطية للجنسين أو الإيمان بآراء المنظور حول أدوار الجنسين من أجل الاستفادة من هذه المفاهيم. لا يتعلق هذا المبدأ بالجنس البيولوجي بقدر ما يتعلق بمفهوم الطاقات الذكورية والأنثوية المختلفة.
بشكل عام، يُعتقد أن الأول (العنصر الذكري) حازم واستكشافي وتحولي. وفي الوقت نفسه، فإن الأخير (العنصر الأنثوي) عاكس ووقائي ومغذي. نحن نكون في أفضل حالاتنا عندما نعرف كيفية الاعتماد على كلا الطاقتين بطريقة مناسبة.
يعتقد أتباع الفلسفة الهرمسية عادةً أننا جميعًا مكونون من مزيج من هذه الأنواع من الطاقة. يمكن اعتبار مبدأ الجنس مصدر إلهام لنا لإيجاد طرق لتطبيق وتحقيق التوازن بين الجوانب الذكورية والأنثوية لدينا.
يمكن أن يؤدي تجاوز أي منهما إلى خفض تردد الاهتزاز. على سبيل المثال، مع الكثير من الطاقة الذكورية يأتي التهور وفقدان المنظور. من ناحية أخرى، قد يرتبط الكثير من الطاقة الأنثوية بالتقاعس عن العمل.
لتحقيق أقصى فائدة ، سيتطلب تطبيق المبادئ الهرمسية السبعة في حياتك ممارسة وجهد و تصميم. ولكن إذا قمت بذلك، يمكنك أن تثق في أنك ستكافأ. إنه قانون الهرمسية.