الزمن فى عالم الروح

0

 

(من سلسلة مقالات للعالم ايمانويل سويدنبرج )

يتحدث العالم ” سويدنبرج ” عن مفهوم الزمن فى عالم الروح فيقول : ليس للزمن أي اعتبار في حسابات الله ، فبصرف النظر عن دور الوقت في الحياة الروحانية للإنسان ، إلا أن الوقت في النهاية لا يعدو أن يكون إحدى مكونات الطبيعة.

حيث يعمل من خلال حركة الأجرام السماوية ، ويقاس من دوران الأرض اليومى حول محورها ودورانها السنوى حول الشمس وبدقة أكبر من خلال حركات النجوم التي يمكن التنبؤ بها بدقة لمئات السنين ، ومنها عرفت السنوات والشهور والأيام  والأجزاء الأصغر من حساب الوقت من الساعات والدقائق والثوانى .

الزمن فى عالم الروح
الزمن فى عالم الروح وأهمية الوقت فى حياه المادة

ورغم أن هذا فيما يبدو يقع ضمن مشيئة الله للأنسان كي يفهم وينتبه ويتحكم فى مجريات حياته الا أن فكرة ” الوقت ” لطالما كانت قيدا غير مرغوب فيه على حريته ، وذلك لأنه رغم ولادتنا في عالم يحكمه الزمن إلا أن مصيرنا في النهاية إلى عالم آخر ليس للزمن فيه أى معنى .

مفهوم الزمن فى عالم الروح 

ان مفهوم الزمن فى عالم الروح يختلف تماما عن مفهومه فى عالم المادة ، ففي حياتنا على الأرض تخضع فكرة  ومفهوم الوقت للعقل ، بينما فى حياه الروح فان الوقت لايحسب بدقات عقارب الساعة بل بحجم مشاعرنا وحبنا تجاه الآخرين.

يفسر ذلك أنه عندما نعيش حياة مفعمة بالمشاعر الجياشة  يمر الوقت بسرعة  ونتمنى استمراره إلى الأبد بل ونستاء من انقضائه وفي حالة حزننا وقلقنا يمر الوقت ببطء وكأن كل لحظة مستمرة إلى الأبد ما يشعرنا بالرغبة في الهروب منها.

حقيقة الأمر ، نحن لن ندرك السعادة الحقة دون أن نتخلص من اهتمامنا وسباقنا مع الوقت .

هذه هى السعادة السماوية التي أعدها لنا الله .. فان مشاعر المعاناه التى تحدث أحيانا للأنسان بسبب الوقت انما هى فى الأصل تنبع من حب الأنسان لذاته ومن نفاذ صبره وخوفه وعدم ثقته فى  تدابير العناية الإلهية.

لن يستطيع الأنسان أن يعرف كيف يزيل العوائق والصعاب التى يواجهها فى حياه المادة بغير ” ضغوطات الوقت ” عليه وهذا هو الغرض الإلهي من خلق الوقت .

معنى وأهمية الوقت فى الحياه الأرضية 

طيلة حياتنا في عالم المادة يظل الوقت هو الأساس خلافا لمفهوم الزمن فى عالم الروح ، فهناك وقت لوضع البذرة ووقت لجني المحصول، هناك وقت للعمل ووقت للراحة كما أن هناك مرحلة محددة للرضاعة والطفولة ومرحلة للرجولة الناضجة وأخرى للشيخوخة.

ولكل من تلك المراحل الزمنية تحدياتها وفرصها التي ان لم يغتنمها الإنسان في الوقت المناسب قد تضيع إلى الأبد وقد يواجه صعوبات أو مشكلات ، فقد تفصل دقيقة واحدة بين النجاح والفشل.

وجود ” الوقت”  فى حياتنا يلفت انتباهنا إلى وجود قانون إلهي يعمل دائما بشكل مستقل عن مشاعرنا الشخصية .

فهو لا يساعدنا فقط على إدراك واجباتنا الشخصية ، ولكن يذكرنا بما يجب أن نعمله تجاه الآخرين ومسئولياتنا تجاههم التى قد يكون لها الأولوية على رغباتنا.

الوقت هو فرصتنا الثمينة لتطور الروح

يساعدنا الوقت على إدراك أن حياتنا ليست ملكنا وأنه لا يجب أن نكرس كل الوقت للاستمتاع بالملذات والرغبات الأنانية ،  بل يكون الوقت فرصتنا الثمينة الى نستعملها من أجل خدمة الله وأخوتنا فى الأنسانية .  

بدون ” الوقت ” لعاش الأنسان فى عالم من خياله فقط ولكان من الصعب أن يجد الفرصه ليصحح أفكاره وانطباعاته الخاطئة . كنا سنعيش فقط ضمن حدود شخصيتنا الحالية المتركزه على  الذات الأنانية لا نعرف شيئا آخر لأننا لا ندرك أنه كان هناك ماض أو أنه سيكون هناك مستقبل ، بل سنعيش حاضرنا فقط وبالتالى أنانيتنا ورغباتنا .

كان شعورنا بالمسئولية وحرية ارادتنا سوف لن يكون لهم قيمة أو معنى وهما ما يشكلان فكرة ” الضمير” .  بدون الوقت ” فان تجديد الحياه يصبح مستحيلا .. لذلك يريدنا الله أن نتأمل مرور الوقت ، فقد أضاء السماء ليقلّب الليل والنهار، فتكون هناك علامات محددة للمواسم والأيام والسنين.

فى مرحلة اليقظة الروحية يكون للوقت أهميه كبيرة ، لكن بعد أن يتحول الأنسان من حب ذاته الى حب الله وحب أخوته فى الأنسانية فانه يبدأ فى التحرر من قيود الوقت .اذ كل دقيقة يمر بها تكون مكرسة  ” للحب ” و ” الخدمة ” ، هنا فقط  تصبح الروح مهيأه لدخول عالم الخلود .

الخلود فى عالم الروح 

تبدو فكرة الخلود على الأرض مروعة  لكونه يبدو كطريق لا نهاية له ، فالأنسان يجهل الى أى مدى سوف تذهب به الحياه . ولكن هذا المعنى لا ينطبق على فكرة الخلود بمعناها المطلق للروح .ففى عالم الروح تحدث تطويرات مستمرة للروح دون أن يكون لها علاقة مطلقا بالوقت .

هناك مراحل وأوقات تعيشها الروح تشبه  تلك التى كانت تحياها فى حياه المادة ولكنها تحدث بشكل مختلف .

لا تقيد بالوقت فى عالم الروح 

فهناك الصباح الباكر والظهيرة والمساء ، تلك الفترات تتتابع بانتظام ، إلا أنها ليست محكومة بالوقت كما هو فى الدنيا بل تحياها الروح وفق مشاعرها فقط ، فالشمس لا تشرق ولا تغرب بل تظل موجودة بشكل مستمر أمام العين طول الوقت أما كضوء قوى أو كشعاع هادىء .

أى أن اشعتها تشتد وتخفت بحسب حالة الروح ، فهى فى الصباح وقت الشغف للنشاط  وبدء أعمال جديدة يكون ترحيب الروح بضوء الشمس القوى ، وعندما ترغب الروح فى أن تحصل على قدر من الراحة والسكون بعد فترة النشاط والعمل فانها تتلقى الضوء الهادىء .

فى عالم الروح لا توجد قياسات للحالة التى تمر بها الروح او تصل اليها . الوقت هناك يقاس فقط  بمقدار مشاعر ” الحب ” .

الأنسان فى عالم الروح لا يقلق بشأن المستقبل ولا يشعر بنفاذ الصبر، يشعر فقط بالسعادة في اللحظة الحالية لأن ثقته كبيرة في رحمة الله ، ويسلم كل شيء لإرشاد العناية الإلهية. هو روح مطمئنه تعيش فى سرور وبعقل طائع مستسلم.

درجة تقدم الروح هو مقياس الوقت بعد الانتقال 

لذلك يجد أهل السماء دائما حياتهم كاملة غنية مرضية. يعيشون تغيرات وتطورات مستمرة في أرواحهم ويكتشفون حقائق جديدة مستمتعين بمعاني أكثر عمقا وروعة، ويصبحون أكثر ذكاء وحكمه . ارواحهم تتقدم بشكل متتالى ، وبدلا من تعاقب الفصول والأيام والسنون التى كانت على الأرض فانهم يشعرون بالوقت من خلال مراحل تقدمهم .

يدركون الوقت أيضا عندما يشاهدون الأطفال الذين يموتون يكبرون في الجنة ويصبحون شبابا ثم ناضجين وأخيرا كبارا .

لكن حتى هؤلاء الأطفال لا يخضع تغيرهم لفكرة الوقت بالمفهوم الأرضى وانما يقاس تقدم أعمارهم بحسب تطورعقولهم وادراكهم ونمو مداركهم ونضج مشاعرهم .

لا خوف من الموت فى عالم الروح 

في عالم الروح لا مكان لفكرة الموت ولا خوف من انتهاء الحياة ولا أثر لضغط الوقت الذي يعاني منه الناس على الأرض ويتسبب في شعور البشر بالقلق من ضرورة انجاز قدر كبير من الأعمال فى قليل من الوقت .

لهذا نقرأ أن آلاف السنين لا تبدو للأرواح كزمن طويل بل بالكاد تبدو لهم كأنها دقيقة واحدة فقط ذلك لأن حاضرهم يشتمل على ماضيهم ومستقبلهم في نفس اللحظة.

 أي أنه ليس لديهم أي اهتمام بالأشياء المستقبلية ، وليس لديهم أي فكرة عن الموت ولكن فقط فكرة الحياة.. اذ كل ما يملأ حاضرهم هو تواجدهم فى مملكة الله الخالدة اللانهائية ، والحقائق الجديدة التى يجب عليهم أن يتعلموها والعطايا التى يجب مشاركتها مع الآخرين ، كل هذا بدون أي تدخل للوقت ولا تفكير في اقتراب من نهاية الحياة.

ونحن فى حياتنا هنا على الأرض نستطيع أن  نحصل على لمحة عابرة من هذه الحالة السماوية  وان نعيش في تشابه مع العالم الروحي حتى ونحن على الأرض .

وذلك عندما نتخلى عن الرغبات الدنيوية ، عندما نبتعد عن هموم العالم ونمارس التأمل ، سوف نفقد كل إحساس بالوقت ، وعندما تزول ” الأنا ” من داخلنا فالأنا هى دائما المصدر لكل المعاناه و القلق ونفاذ الصبر والخوف والأحساس الحاد بالوقت .

إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.