نشأت الحضارة الرومانية عام 625 قبل الميلاد، وتمكنت من التوسع وضم العشرات من الثقافات حول العالم، وأحدثت أثرًا كبيرًا في هذه الثقافات ، وشهدت خلال تاريخها الممتد لأكثر من ألف عام ثلاثة مراحل رئيسية هي: روما الملكية، وروما الجمهورية وروما الإمبراطورية وذلك قبل سقوطها عام 476 ميلادية.
بزغت الحضارة الرومانية من مناطق في إيطاليا القديمة، كانت معروفة في ذلك الوقت باسم “إتروريا ولاتيوم” وكانت نواة هذه الحضارة الملهمة من اتحاد قرويين في مدينة لاتيوم مع مستوطنين في التلال المحيطة بهم لصد الغزوات على “إتروسكان” وانضم الكثير من المدن إلى هؤلاء لتتأسس روما القديمة عام 600 قبل الميلاد.
الحقبة الملكية من 625 – 510 قبل الميلاد
في هذه الحقبة تمكنت روما بقيادة ستة من الملوك المتتابعين من تحقيق تقدم مذهل على الصعيدين العسكري والاقتصادي حيث توسعت روما بشكل كبير فى الأرض وتمكنت من إنتاج الكثير من السلع والمنتجات، والإتجار بها وتشكّل في تلك الفترة الدستورالروماني وبنهاية هذه الحقبة تراجعت قوة النظام الملكي في “أتروريا” ما بشّر ببدأ الحقبة الجمهورية.
الحقبة الجمهورية من 510 – 31 قبل الميلاد
دخلت روما عصرها الجمهوري بحكم النبلاء من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان ودونوا في عام 451 قبل الميلاد 12 جدولًا تضم القوانين العامة والسياسية للبلاد، واستمرت روما في التوسّع لتسيطر بشكل كامل على شبه الجزيرة الإيطالية في عام 338 قبل الميلاد، وذلك بعد تحقيقها انتصارات عسكرية بارزة في المعارك البونيقية خلال الفترة من 264 – 146 قبل الميلاد، وبعدها سيطرت روما على قرطاج وكورنثوس وأصبحت تهيمن على البحر الأبيض المتوسط. بعدها شهدت روما فترة من الاضطرابات انتهت بوصول يوليوس قيصر للحكم مؤذنًا ببدء العصر الإمبريالي الروماني.
الحقبة الإمبراطورية
بعد تولي يوليوس قيصر الحكم تم اغتياله في عام 44 قبل الميلاد ليحكم وريثه جايوس يوليوس قيصر أوكتافيانوس الملقب بأوكتافيان إلى جوار مارك أنطونيو وتمكنا من الانتصار على مصر القديمة في عام 31 قبل الميلاد، وتوفي مارك أنطونيو تاركًا الحكم لأوكتافيان الذي حمل لقب “أغسطس” وأصبح أول إمبراطور فعلي لروما.
توسعت روما في تلك الحقبة لتضم أجزاء من آسيا وأفريقيا ومعظم القارة الأوروبية، ثم انقسمت في عام 286 ميلادية إلى إمبراطوريتين شرقية وغربية وتعرضت لغزوات قوطية، وللنهب على يد الفاندال، وبينما انتهت الإمبراطورية الرومانية الغربية في عام 467 استمرت روما الشرقية المعروفة أيضًا باسم روما البيزنطية حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وسقطت على يد الأتراك بعد استيلائهم على القسطنطينية عام 1453.
إنجازات الحضارة الرومانية
لقد كانت الحضارة الرومانية في أوج تألّقها وقوتها بينما كانت شعوب أوروبا تعيش على الأرض ويسكنون الأكواخ، وكان لروما دواوين حكومية، وجيوش منظّمة، وتعليم منهجي، ولديهم إمدادات منتظمة من الماء النظيف والغذاء الوافر، ولقد قدموا للبشرية الكثيرمن المخترعات والابتكارات التي غيرت مجرى التاريخ، ومن أهم إنجازاتهم:
نظام الكتابة
تحدث الرومان اللغة اللاتينية التي بنيت أبجديتها على الأبجدية الأتروتية والتي بنيت بدورها على الأبجدية اليونانية، وكانوا يستخدمون نسخة مبتذلة من اللاتينية في النطق، ويكتبون مكاتباتهم بالأقلام ويستخدمون الأحبار، واستخدم الرومان الأرقام الرومانية.
العمارة ونظم التحكّم في المياه
شكلّت النهضة المعمارية في روما القديمة جزءًا هامًا من إرثهم وتراثهم الحضاري، فكانت الهندسة المدنية والعسكرية وما حملته من ابتكارات مصدرًا للفخر والرفعة، ولقد ساهمت هذه الحضارة في بناء المئات من الجسور وتمهيد الطرق وشق القنوات وبناء الحمامات والمسارح والساحات، ومازال العديد من أبنيتهم شاهدة إلى يومنا هذا على تفوقهم ونهضتهم المعمارية مثل الكولوسيوم (المدرّج الفلافي) والبانثيون (مقبرة العظماء) وبونت دو جار (جسر جارد) وكلها شاهدة على عظمة هذه الحضارة.
وتمكن الرومان من صناعة الزجاج العازل بتقنيات عاملوها بسريّة تامة باعتبار أنها من الأسرار التجارية التي لا ينبغي إلا للصنّاع المهرة الاطلاع عليها.واستخدموا الخشب على نطاق واسع للبناء وصناعة السفن، وإشعال النار، وتاجروا بالأخشاب عبر نهر التيبر ، كما استخدموا ميناء ما يعرف الأن بمدينة ليون الفرنسية للتجارة.
ولقد أنشأ الرومان طرقًا صلبة وصنعوا لها صرفًا جيدًا وقاموا ببناء شبكة طرق سريعة في جميع أنحاء الإمبراطورية ما ساعدهم على تيسير التجارة ، حتى أن الكثير منها بقى لفترات امتدت لأكثر من ألف عام بعد سقوط إمبراطوريتهم . ومن هنا جاء القول المآثور “كل الطرق تؤدي إلى روما” وكانت الحكومة تستخدم الخيول لمسافات تصل إلى 80 كم.
طور الرومان أيضا أدواتا خاصة للقياس والمحاذاة والتسوية وتمكنوا من صناعة الخرسانة، وبنوا الأقواس الضخمة والأقبية والقباب، وتعتبر هندسة القنوات المائية الرومانية أحد أهم موروثاتهم في مجال الهندسة حيث وفّرت للناس الماء اللازم للشرب والزراعة. ولقد كانت خلطتهم المتميزة من الخرسانة قادرة على الصمود تحت الماء، وساعدتهم على بناء المباني الضخمة العالية.
الجيش الروماني
يعد الجيش الروماني القديم من أعظم جيوش العالم، فقد تمكن من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي تعد الأكبر في تاريخ الاستعمار الأوروبي، وتحولت روما إلى مركز إشعاع ثقافي للقارة الأوروبية كلها، ولقد تمكن الجيش من تطوير الكثير من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والخطط الاستراتيجية القوية وكان فعّالًا ومؤثرًا لأقصى درجة، ويتحلّى بالانضباط.
وكان الجيش الروماني مقسّماً إلى فيالق ووحدات أصغر وأكثر تخصصًا وكان لديهم العديد من فيالق المشاة، وأهمها “فيلق الإمبراطورية الرومانية” الذي كان له الآثر الأقوى في السيطرة على أرض المعركة وتغليب كفّة الجيش الروماني وتحقيق النصر. ومن الفرق الآخرى:
الفيليتس The velites: وكانت الوحدة البدائية التي يدخل إليها الجنود المشاة ، وتضم أشخاصا من أفقر الطبقات، وكانوا يحصلون على دروع جلدية رخيصة وخمسة رماح، ودرع معدني، وعلى الرغم من أن عليهم شراء ذلك من أموالهم، إلا أنهم كانوا دائمًا في مقدمة الجيش عند مواجهة العدو. وكان هؤلاء يرمون بالرماح في أسرع وقت عند المواجهه فيفقدون العدو دروعه من البداية.
الهستاتي The hastate: وهي الموجة الثانية من المشاة وكانت تتكون من الأشخاص الأكثر ثراءًا من الفيليتس، فقد كان بإمكانهم تحمّل تكاليف أسلحة أغلى ثمنًا وذات جودة أفضل، واستخدموا خوذات من البرونز ودروع معدنية مستطيلة وسيف قصير ورمحين.
الدين والروحية في الحضارة الرومانية
كان شعب روما القديمة من أكثر الشعوب تدينًا وحفاظًا على الأخلاق التقيّة لإرضاء الألهة، وكان لديه عددًا كبيرًا من الألهة، وكانت الديانة الأساسية لديهم هي عبادة أبولّو، والتي كانت عبادة رئيسية بين الرومان والإغريق حيث تم تكييف ديانة هي خليط من الأساطير اليونانية والأدب اللاتيني والفن الروماني لتمييز سمات العقيدة الرومانية، وكان للديانة الأتروسكية تآثيراً كبيرًا على الرومان.
وكان هناك العديد من المؤسسات الدينية تنتسب أغلبها إلى مؤسسها مثل “نوما بومبيليوس” وهو ملك سابين الذي يقال أنه تفاوض مع الألهة بشكل مباشر.
الأسس الدينية لدى الرومان
كان الأساس الديني في روما القديمة معتمدًا على مبدأ “أنا أعطي ما قد تعطيه أنت” وكان الدين يعتمد على المعرفة والممارسات الصحيحة للطقوس الدينية وعلى الأضحيات، والإيمان والعقيدة الراسخة، وكانت القيم الدينية لديهم مصدرًا للتشريع وللنظام الاجتماعي، وتداخلت الكثير من الديانات المحلية مع الديانات الرومانية خلال مراحل توسّع الإمبراطورية الرومانية ولكن كانت الديانة المسيحية هى الأكثر تأثيرًا في الرومان حتى أصبحت في النهاية هى الديانة الرسمية للإمبراطورية في عام 380 ميلادية.
ولقد كان الدين جزءًا من الحياة اليومية يمارسه عامة الرومان في منازلهم، فكان لكل أسرة ركن تعبّد يتم فيه تقديم الصلوات للألهة ويتم التضحية أمامه. وقد كانت دور العبادة منتشرة في روما القديمة مثل البساتين.
ولقد تم تنظيم التقويم الروماني بحيث يتناسب مع الاحتفالات الدينية وكان للنساء دورًا هامًا في تقديم العبادات وأداء الطقوس، حتى أن بعض الطقوس كانت لا تصح بدونهن وكان أكبر كهنوت مدعوم من الدولة نسائي.
ولم تعرف روما القديمة مبدأ فصل الدين عن الدولة، إذ كان كبار الموظفين العموميين يعملون كمبشريّن أيضًا، وكان الكهنة يتزوجون ويقيمون أسر، ويشاركون في الحياة السياسية، ولقد شغل يوليوس قيصر منصب “رئيس الكلية الرئيسية للكهنة” قبل أن يصبح قيصرًا للبلاد.
التوسع بدافع العقيدة الدينية
إعتبر الرومان أن التوسعات التي كانوا يقومون بها في امبراطوريتهم هي في سبيل الإله وتنفيذًا لرغباته وأن ما هم فيه من مجد هو قدر إلهي، وكان الجنرال المنتصر يعد إنسانًا تقيًّا يتقرب إلى الرب ويعرب عن استعداده لخدمة الصالح العام، ويقدّم جزءًا من الغنائم كقرابين للألهة، وخاصة الإله جوبيتر، وعندما أسست روما لنفسها قوة مهيمنة، بنت العديد من المعابد لضمان التفوّق العسكري والهيمنة.
وكان لتوسع الرومان طابعًا خاصًا فقد كانوا يستوعبون ألهة ومعتقدات الشعوب التي قاموا بغزوها بدلًا من محاولة القضاء عليها ومحوها، وذلك لاعتقادهم أن ذلك يعزز من الاستقرار الاجتماعي بين هذه الشعوب، ولقد تركوا لهم حريّة بناء المعابد ودعموا تراثهم الديني.
ألهة الرومان
من أهم الألهة فى الحضارة الرومانية كانت سيبيل وإيزيس وإيبونا وإله الشمس ميتراس أو سول إنفكتس، وجوبيتر الذي كان يعد أقوى الألهة، إضافة إلى مارس وكورينيوس الذين تم استبادلهما فيما بعد بجونو ومينيرفا.
وعرف الرومان عقيدة التثليث كما كان الحال في الثالوث الزراعي المقدّس “سيريس وليبر وليبرا” وارتبط الكثير من الألهه بالأساطير والإبداعات الفلسفية، واقتبس اغلبها من الثقافة اليونانية وألهة الأوليمب ، كما انتشرت العرافة في روما القديمة
عبادة الإمبراطور
أقر أغسطس مبدأ حكم الرجل الواحد وجعل من نفسه إلهًا ووسع من عبادة الإمبراطور واعتبر أن في ذلك تبجيلًا لروما، حيث يتم من خلال ذلك زرع الهوية الرومانية الثقافية في العامة، وزرع الولاء في أتباع الدولة، وكان رفض هذا الدين بمثابة خيانة، وتسبب ذلك في نشؤ صراع بين الإمبراطورية الرومانية والموحدين إذ أعتقد الرومان أنهم يهددون إمبراطوريتهم، ومن ذلك نشأ الصراع بينهم وبين اليهود ونشبت تبعًا لذلك الحرب الرومانية اليهودية الأولى كما اندلعت ثورة “بار كوخبا”.
وكذلك الحال مع أتباع الديانة المسيحية، فبينما اعتبر الرومان أن أتباع الديانة المسيحية ملحدون، اعتبر المسيحيون أن الرومان وثنيون، وفي النهاية تم اعتماد الديانة المسيحية كدين رسمي للإمبراطورية.
———————————
المراجع :
https://www.123helpme.com/essay/The-Accomplishments-of-Ancient-Roman-Civilization-354663
https://www.123helpme.com/essay/The-Romans-Water-and-Civilization-220994
https://www.123helpme.com/essay/Success-of-the-Roman-Army-209701
https://en.wikipedia.org/wiki/Religion_in_ancient_Rome