يشير المذهب الباطنى ( الايزوتيرك ) – Esoteric إلى حالة من المعارف والعلوم السريّة التي يكتنفها الغموض والتي لا يصل إليها ولا يستوعبها إلا خاصة الناس .
المذهب الباطنى هو فلسفة روحانية يرتقي فيها الإنسان بالمعارف الكونية ويتعلم كيفية التواصل مع كل ما في الكون من عناصر.
ولكى تصل لأعلى درجات المعرفة في المذهب الباطنى عليك أن تمر بمراحل متعددة وباختبارات حقيقية حتى تصل إلى الحقيقة العليا.
هذه الحقيقة لا يجب أن تُكشف وفق المذهب الباطنى إلا لمن كان مؤهلًا لها فليست كل النفوس تتقبل الحقائق.
وهناك من يجد تشابهًا بين الباطنية والصوفية ولكن تختلف العقيدتان عن بعضهما البعض ، فالصوفية تركّز تفكير المرء على الإخلاص والتفاني في العبادة.
بينما تركّز الباطنية على المعارف والتواصل مع الكون، فليس كل متصوف هو باطني وفق هذا المذهب.
نشأة المذهب الباطنى
المذهب الباطنى له العديد من الصور والنماذج التي قد تبدو مختلفة، وأول ظهور لها كان لدى القدماء اليونان والرومان الذين انتشرت بينهم العقائد السرية .
وكان على معتنقيها أن يمرّوا بمجموعة من الاختبارات والطقوس السريّة حتى يرتقوا في السلم الهرمي لهذه الجماعات.
وأغلب هذه العقائد لم يكن لها كتب مقدّسة ، ومورست طقوسها في الخفاء خوفًا من اضطهاد المجتمع.
وقد يخلط البعض بين الباطنية “اللغز” والغنوصية “الحكمة السريّة”.
ولكن يكمن موطن الاختلاف بين الإثنين في أن المريد فى المذهب الباطنى يكتسب المعرفة والحكمة من خلال ممارسة الشعائر والطقوس ، بينما الغنوصي يسعى لاكتسابها من خلال الحكمة الإلهية.
المذهب الباطنى فى العصور القديمة
ولقد ظهرت الكثير من المعتقدات الباطنية في شرق البحر المتوسط في العصور الكلاسيكية القديمة.
فكان لدينا “الألغاز الإليوسينية” التي كانت من أشهر الطقوس الدينية في اليونان القديمة و”أسرار أورفيك” التي تنتمي لأورفيس النبي اليوناني، و”ألغاز ميثرايك” وكانت من المذاهب الغامضة لقدامى الرومانيين، وكذلك عقيدة “إيزيس” الفرعونية.
اضطهاد المذهب الباطنى
تعرضّت الديانات الباطنية والعقائد الوثنية للإضطهاد بعد أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية في الإمبراطورية الرومانية.
حيث تم اعتبارهم بمثابة خونة، وبقي مصطلح غنوصية يشير إلى الحركات الدينية المسيحية واليهودية الغربية التي كانت لها تعاليم سريّة تتعلّق بعالم الأرواح.
كما ترتبط الباطنية بعالم الأرواح وعلوم الفلك والتنجيم والكيمياء والسحر.
ولقد لاقت العقائد الباطنية في مختلف أنحاء العالم الكثير من العداء وسوء الفهم، اذ تم الربط بينهم وبين الايذاء بطريق السحر والشعوذة وتسخير الكيانات الغير بشرية.
الباطنية الغربية
تم تعريف المذهب الباطنى فى الغرب بأنه مجموعه “معارف مرفوضة”.
واعتبر البعض إمعانًا في رفضها أنها تمثل سلة مهملات المعرفة المرفوضة حيث أنها من وجهة نظرهم تتنافي مع المفاهيم المعيارية والعقلية للدين والعلم.
ولكن رفض الباطنية قوبل على الطرف الأخر بمناصرين لها أعتبروا أن في ذلك ظلم كبير لهذا المعتقد وأن الباطنية وقعت ضحية للمعتقدات الجامدة التي لا تتقبل الاختلافات.
تاريخ المذهب الباطنى
العصور القديمة
نشأ المذهب الباطنى فى شرق البحر المتوسط فى مصر والشام واليونان وبابل وبلاد فارس.
ومن أشهر المذاهب الباطنية التي ظهرت في تلك الحقبة الزمنية المدرسة “الهلنستية” المصرية التي أسسها الحكيم المصري الأسطوري “هيرميس تريسمجيستوس”.
ولقد تم العثور على العديد من النصوص المكتوبة التي وضعها هذا الرجل يناقش فيها طبيعة الخالق ويؤكد على ضرورة التحرر من الفكر الجامد .
اضافة الى الدعوه لتجاوز الرغبات الدنيوية من أجل التحرر والوصول الى الخلاص ولكى يولد الإنسان من جديد في جسم روحاني من النور الخالص، ويتوحد مع الروح الإلهية.
ظهور الغنوصية
على الجانب الآخر ظهرت الغنوصية وتعددت طوائفها، وكان هؤلاء يعتقدون أن النور الإلهي مسجون من قبل كيان خبيث يعرف باسم “ديميورج”.
وأن الذين لديهم معرفة إلهية وتشبعوا بالنور الإلهي يمكنهم أن يهربوا من العالم المادي ويصلوا للمصدر الإلهي.
أما الشكل الثالث للغنوصية فكان ممثلًا في مدرسة أفلاطون.
عقيدة أفلاطون السريّة
يحظى أفلاطون بالكثير من التقدير كفيلسوف وحكيم له أفكار خلّاقة ومبدعة، ولكن ما لا يعرفه إلا القليل من الناس عنه أنه كان باطنيًا .
اذ جاء هذا جاء في كتاب “سافاس باتاكوس” “عقيدة أفلاطون السرية” ، حيث كان يعتمد على ألغاز أورفيك وفيثاغورس ويبني عليهما الكثير من أفكاره.
الحياة بعد الموت من منظور أفلاطون
وفي كتاب “الجمهورية” لأفلاطون يتحدث عن تجربة الاقتراب من الموت التي عاشها جندي من الجنود اليونانيين.
حيث يصف الجحيم والسماوات ويرى أين تذهب الأرواح البريئة وأين تذهب الأرواح المدانة، وكيف تجتمع في قاعدة الأقدار ثم يشربون من نهر النسيان.
وبعد ذلك يولدون من جديد في حياتهم التي اختاروها على سطح الأرض.
والقليل من هؤلاء فقط هو من يعرف نفسه، ويدرك حقيقة رسالته في الحياة والهدف من وجوده على الأرض في حياته الجديدة.
العصور الوسطى
بعد أن سقطت روما احتفظ العالم العربي والشرق الأدنى بالعلوم والمعارف المتعلقة بعلم الخيمياء والفلسفة.
ثم عادت هذه العلوم إلى الغرب من قبل اليهود ومن خلال تواصلهم مع المسلمين والمسيحيين في صقلية وجنوب إيطاليا.
تبع ذلك أن تطورت الكابالا في جنوب إيطاليا وفي إسبانيا في العصور الوسطى، وظهرت وانتشرت كتب السحر المعروف باسم “جريموريس” التي ألفها علماء الخيمياء.
عصر النهضة وبداية العصر الحديث
في عصر النهضة جمع الباحثون الديانات الوثنية والفلسفات الغير مسيحية من خلال التراجم العربية وضموا ذلك إلى الأفكار المسيحية والكابالا اليهودية.
وكان من أهم هؤلاء الفيلسوف البيزنطي “بليثون” والذي اعتبر أن الكلدانية هي مثال للديانات السامية القديمة التي تناقلها أفلاطون.
ولقد قام حاكم فلورانسا “كوزيمو دي ميديسي” بتوظيف المفكر الفلورنسي مارسيليو فيسينو لترجمة أعمال أفلاطون إلى اللغة اللاتينية .
ولم يكتف هذا المفكر بترجمة أعمال أفلاطون، ولكنه ترجم كتابات العديد من الشخصيات الأخرى التي تتوافق فلسفتهم مع المسيحية .
الأمر الذى سمح بنشوء حركة نهضة أفلاطونية على نطاق واسع عرفت أيضًا باسم “الاستشراق الأفلاطوني”.
الباطنية الشرقية
ظهرت الباطنية في الشرق أيضًا لدى مجموعة من الفرق الإسلامية مثل الإسماعيلية والقرامطة والخرمية .
هذه الفرق تقول بأن النصوص الدينية المقدسة مثل القرآن الكريم لها معاني ظاهرة يمكن للعامة فهمها، ومعاني أخرى باطنية لا يمكن إلا لأصحاب المعارف الوصول إليها فهي محجوبة عن عامة الناس.
الأرقام لدى الباطنية
يولي المذهب الباطنى أهمية كبيرة للأرقام فلكل رقم عندهم معنى باطنى بالغ الأهمية.
وعلى سبيل المثال الرقم سبعة، فالبحار سبعة وألوان الطيف سبعة، وملوك الروم الأسطوريين سبعة، وعجائب الدنيا سبعة، ومستويات الطاقة الرئيسية سبعة في الذرّة، وأيام الإسبوع سبعة، وأيام التكوين في التوراة سبعة.
أشهر الشخصيات الاسلاميه الباطنية
يعد إبن سينا العالم الكبير الذي تفوّق في الفلسفة والطب والمنطق والمولود في عام 370 هجرية من أشهر القرامطة الباطنية .
ولقد كفرّه معارضوه لهذا السبب على الرغم من أنه من ألمع العلماء المسلمين.
وفي القدرات الروحية يقول إبن سينا: “إنَّ قوة الفكر قادرةٌ على إحداث المرض والشفاء منه.”
المذهب الباطنى المعاصر
في العصر الحديث تكتسب الباطنية شكلًا أكثر تشويقًا فهي تعتمد على مجموعة من العناصر التي يمكن فهمها وهي:
الارتباط والتواصل: فكل ما في الكون متواصل ومتكامل، ولأفعال وحركات الكواكب لها تأثير مباشرعلى البشر وسلوكياتهم.
الطبيعة الحيّة: الكون مشبّع بالحياة، ولكل شئ حولنا روحه الخاصة وتسري به قوة الحياة، وحتى الأجرام السماوية مثل “جايا” أو كوكب الأرض.
الخيال والوساطة الروحية: يولي الباطنية اهتمامًا كبيرًا للخيال والوساطة الروحية ، وهم يعتمدون على بعض الطقوس والصور الرمزية والماندالا والأرواح الوسيطة والترانيم “المانترا”.
فكلها وسائل توفّر لهم فهمًا أكبر للعالم الغير منظور والقوى الخفية فى الكون.
تجربة التحوّل: العالم المتمرس فى العلوم الباطنية وآلياتها بامكانه أن يحوّل نفسه بشكل كامل على المستوى الروحي ويحدث هذا مع كمال المعرفة بالطقوس والشعائر الباطنية وفهم اسرارها.
الكل واحد فى الباطنية وتعني أن لكل الأديان نفس الجذور المشتركة ولهم نفس الممارسات الروحانية وذلك على اختلاف الديانات والعقائد حول العالم.
أهمية نقل العلم يتم تناقل العلوم والمعارف الباطنية الروحية من المعلم إلى التلميذ من خلال التنشئة والمتابعة.
كيف تمارس المعتقد الباطنى
إن كل ممارسة تقوم بها من خلال المذهب الباطنى ستساعدك على الارتقاء روحيًا، وستساعدك على أن تكون إنسانًا أفضل. كما أنها ستعطيك فهمًا أكبر للكون من حولك وتجعل نظرتك للحياة ثاقبة وتملؤك بالثقة بالنفس.
ومن أكثر ممارسات الباطنية شيوعًا:
قراءة ورق التاروت
الكثير من علماء المذهب الباطنى يمكنهم استخدام ورق التاروت بناء على معرفتهم بعلم التنجيم والكابلاه.
وعندما تتمكن من احتراف قراءة التاروت ستنفتح لك الكثير من الأبواب الروحية المغلقة فى المعارف الباطنية.
التأمل أحد أهم طقوس الباطنية
لقد استخدم الكهنة البوذيون التأمل من أجل الوصول إلى حالة التنوير فهي ممارسة تساعدك على بلوغ الأعماق الروحية والتواصل مع اللاوعي .
وهي ممارسة لها جذور في مختلف العبادات والديانات الشرقية والغربية، وأظهرت الدراسات الحديثة أنها تحسن من الصحّة العقلية.
شفاء الريكي
شفاء الريكي بدأ من اليابان لينتشر في العالم الغربي على نطاق واسع ويتضمن استخدام اليد من أجل نقل طاقة الشفاء من يد المعالج إلى الجزء المريض، وهو يعتمد بالأساس على تحقيق التوازن للشاكرات.
السجلات الأكاشية
تجمع السجلات الأكاشية كل ما في الكون من كلمات وأفكار وانفعالات وكل ما حدث وما لم يحدث بعد.
وهؤلاء الذين يمكنهم الولوج للسجلات الأكاشية يمكنهم معرفة كل ما يختص بالروح.
علم التنجيم لدى الباطنية
ربما يعرف جميعنا برجه الفلكي، ولكن هل تعرف أن لكل شخص برج شمسي وأخر قمري؟
ومن خلال معرفة خصائص هذه الأبراج يمكن للإنسان أن يتنبأ بالكثير من الخصائص البشرية، ويختار فعل ما هو أفضل له.
ممارسة الأعمال السحرية وتلاوة التعاويذ
تتزايد شعبية الأعمال السحرية في مختلف أنحاء العالم، وحتى أن الكثير من المشتركين على تيك توك واليوتيوب يقدمون ممارساتهم السحرية من أجل جذب مشاهدات واكتساب متابعين.
ومن الممارسات السحرية ما هو مرتبط بعلم الخيمياء ومنها ما يرتبط بعلم التنجيم والعرافة والإسقاط النجمي، وكلها وسائل تضيف إلى الشخص معارف باطنية.
————————————
المصادر
https://library.acropolis.org/platos-esoteric-teachings/
https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Esotericism
https://world-religions.info/esoteric-beliefs-esotericism/